للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر قصة لوط، مع ما تقدمها من بشارة إبراهيم عليه السّلام، فقال:

[سورة هود (١١) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]

وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)

قلت: «سلاماً» : منصوب على المصدر، أي: سلمنا سلاماً. ويجوز نصبه بقالوا لتضمنه معنى ذكروا. (قال سلام) : إما خبر، أي: أمرنا سلام، أو جواب سلام، وإما مبتدأ، أي: عليكم سلام. وكسر السين: لغة. وإنما رفع جوابه ليدل على ثبوت سلامة فيكون قد حياهم بأحسن مما حيوه به. (فما لبث أن جاء) . «ما» : نافية و «أن جاء» :

فاعل «لبث» . ونكر وأنكر بمعنى واحد. والإيجاس: الإدراك أو الإضمار. و (من وراء إسحاق يعقوب) : من قرأ بالنصب فبفعل دل عليه الكلام، أي: ووهبنا لها يعقوب. ومن رفعه فمبتدأ، أي: ويعقوب مولود من بعده. و (شيخاً) :

حال، والعامل فيه: الإشارة، أي: أشير إليه شيخاً. و (أهل البيت) : نصب على المدح والاختصاص، أو على النداء.

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ، وهم الملائكة، قيل: ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل: تسعة، جاءوه بِالْبُشْرى بالولد. فلما دخلوا عليه قالُوا سَلاماً أي: سلمنا عليك سلاماً، أو ذكروا سلاماً، قالَ سَلامٌ أي: عليكم سلام، فَما لَبِثَ أي: أبطأ، أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ مشوي بالرضف، أي: بالحجر المحمي. وقيل: حنيذ بمعنى يقطر ودكه «١» . كقوله: بِعِجْلٍ سَمِينٍ «٢» ، فامتنعوا من أكله، فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ لا يمدون إليه أيديهم، نَكِرَهُمْ أي: أنكر ذلك منهم، وَأَوْجَسَ: أدرك، أو أضمر مِنْهُمْ خِيفَةً أي: خوفاً، خاف أن يريدوا به مكروهاً لامتناعهم من طعامه، وكان من عادتهم إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه، وإلا خافوه.

والظاهر أنه أحس بأنهم ملائكة ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه فأمنوه، وقالوا:

لا تَخَفْ إِنَّا ملائكة أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ لنعذبهم، وإنما لم نأكل طعامك لأنا لا نأكل الطعام. وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ من وراء ستر تسمع محاورتهم، أو على رؤوسهم للخدمة، فَضَحِكَتْ سروراً بزوال الخيفة، أو بهلاك


(١) الودك: دسم اللحم.
(٢) من الآية ٢٦ من سورة الذاريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>