قلت: «آية» : نصبت على الحال، والعامل فيها: معنى الإشارة. و (لكم) : حال منها، تقدمت عليها لتنكيرها.
و (من خزي يومئذٍ) - حذف المعطوف، أي: ونجيناهم من خزي يومئذٍ، ومن قرأ بكسر الميم أعربه، ومن قرأ بالفتح بناه لاكتساب المضاف البناء من المضاف إليه. قاله البيضاوي. وقال في الألفية:
وابْن، أَو اعربْ ما كَإِذْ قَدْ أُجرِيا ... واختَرْ بنَا متَلُو فعْل بُنيا
وقَبل فَعل مُعَرب أو مُبْتَدأ ... أعربْ، ومنْ بَنَى فَلَنْ يُفنَّدا
وثمود: اسم قبيلة، يصح فيه الصرف باعتبار الحي أو الأب الأكبر، وعدمه باعتبار القبيلة. وقد جاء بالوجهين في هذه الآية.
يقول الحق جلّ جلاله: قال صالح لقومه بعد ظهور آية الناقة، وقد تقدم في الأعراف قصتها: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً تدل على صدقي، فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أي: ترعى نباتها وتشرب ماءها، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ، فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ: عاجل، لا يتأخر عن مسكم لها بالسوء إلا ثلاثة أيام.
فَعَقَرُوها وقسموا لحمها فَقالَ لهم: تَمَتَّعُوا: عيشوا فِي دارِكُمْ منازلكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الأربعاء والخميس والجمعة. وقيل: عقروها يوم الأربعاء، وتأخروا الخميس والجمعة والسبت، وهلكوا يوم الأحد.
ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فيه، بل هو حق.
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا: عذابنا، أو أمرنا بهلاكهم، نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، قيل: كانوا ألفين وثمانمائة رجل وامرأة. وقيل: أربعة آلاف، وقال كعب: كان قوم صالح أربعة عشر ألفاً، سوى النساء والذرية، ولقد كان قوم عاد مثلهم ست مرات. انظر القرطبي. قلت: وقول كعب: كان قوم صالح ... الخ، لعله يعني الجميع: من آمن ومن لم يؤمن، فآمن ألفان وثمانمائة، وهلك الباقي. وكذا هود، أسلم أربعة آلاف، وهلك الباقي.
قال تعالى: فنجينا صالِحاً ومن معه بِرَحْمَةٍ مِنَّا، ونجيناهم مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ وهو: هلاكهم بالصيحة، أو من هوان يوم القيامة، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ القادر على كل شيء، الغالب عليه، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ باركين على ركبهم، ميتين، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا: يعيشوا، أو يقيموا فِيها ساعة، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ جحدوه، أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هلاكاً وسحقاً لهم.
الإشارة: ما رأينا أحداً ربح من ولي وهو يطلب منه إظهار الكرامة، بل إذا أراد الله أن يوصل عبداً إليه كشف له عن سر خصوصيته، بلا توقف على كرامة. وقد يظهرها الله له بلا طلب تأييداً له، وزيادةً في إيقانه، فإن طلب الكرامة، وظهرت له، ثم أعرض عنه، فلا أحد أبعدُ منه. قال تعالى، في حق من رأى المعجزة ثم أعرض:
(ألا بعداً لثمود) . وبالله التوفيق.