بالطريق يوماً أو ساعة، وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ لتلك المساكن من سكانها، أي: لا يملك التصرف فيها غيرنا.
وفيه إشارة لوعد النصر لمتبع الهدى، وأن الوراثة له، لا أنه يتخطف كما قد قيل، بل يقع الهلاك على من لم يشكر نعمة الله، ويتبع هواه، فكيف يخاف من تكون عاقبته الظفر ممن يكون عاقبته الدمار والتبار؟ والحاصل: إنما يلحق الخوف من لم يتبع الهدى، فإنه الذي جرت سنة الله فيه بالهلاك، وأما متبع الهدى فهو آمن والعاقبة له.
وَما كانَ رَبُّكَ وما كانت عادته مُهْلِكَ الْقُرى بذنب حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها، أي: القرية التي هي أصلها ومعظمها لأن أهلها يكونون أفطن وأقبل. رَسُولًا لإلزام الحجة وقطع المعذرة، أو: ما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أمها، وهي مكة لأن الأرض دُحِيت من تحتها. رَسُولًا يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا القرآن، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ، أي: وما أهلكناهم للانتقام، إلا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم، وهو إصرارهم على الكفر والمعاصي، والعناد، بعد الإعذار إليهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: وكم خَرَّبْنَا من قلوب وأخليناها من النور، حيث طغت وتجبرت في معيشتها، وانشغلت بحظوظها وشهواتها، فتلك أماكنها خاوية من النور، لم تُسكن بالنور إلا قليلاً، وكنا نحن الوارثين لها، فأعطينا ذلك النور غيرها، وما فعلنا ذلك حتى بعثنا من يُذكرها ويُنذرها، وما كنا مهلكي قلوبٍ وَمُتْلِفيهَا إلا وأهلها ظالمون، بإيثار الغفلة والشهوة على اليقظة والعفة. والله تعالى أعلم.
وسبب الهلاك هو حب الدنيا، ولذلك حقّر الله تعالى شأنها، حيث قال:
يقول الحق جلّ جلاله: وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ من زهرة الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها أي:
ايُّ شيء أحببتموه من أسباب الدنيا وملاذها فما هو إلا تمتع وزينة، أياماً قلائل، وهي مدة الحياة الفانية، وَما عِنْدَ اللَّهِ من النعيم الدائم في الدار الباقية ثواباً لأعمالكم خَيْرٌ من ذلك لأنه لذة خالصة في بهجة كاملة.