، ودفعُ ما توهمه الرماة، فقد روى أنه- عليه الصلاة والسلام- قال لهم لما تركوا المركز:«ألمْ أعْهَد إليكُمْ ألا تَتْركُوا المركَزَ حتَّى يأتيكُمْ أمْري؟» قالوا: تَرَكْنا بقية إخْوانِنَا وُقوفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«بل ظَننْتُم أنّا نَغُلّ ولا نقْسِمُ لكُمْ» . فنزلت الآية. وقيل إنه- عليه الصلاة والسلام-: بعث طلائع، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسم على من معه فقط، فنزلت، فاسترجع ذلك منهم. وقيل: في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر، فقال المنافقون: لَعَلَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا، فنزلت.
ثم ذكر وعيد الغلول، فقال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي: يأتي بالذي غله يحمله على رقبته، قال عليه الصلاة والسلام:«لا ألقى أحَدكُمْ يَوْمَ القيامة يجئ على رَقَبته بَعِيرٌ لَهُ رغاء، أو بقرة لها خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ «١» .» ثم قال:«اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ثلاثاً» . كما في البخاري.
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ جزاء ما كَسَبَتْ تاماً، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب مُطيعهم، ولا يزاد على عقاب عاصيهم وكان اللائق بما قبله أن يقول: ثم يوفى ما كسب. لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه، وأنه إذا كان كل كاسب مجزياً بعمله، فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى. قاله البيضاوي.
الإشارة: ما قيل في النبي- عليه الصلاة والسلام- يقال في ورثته الكرام، كالأولياء والعلماء الأتقياء، فإنهم ورثة الأنبياء، فيُظن بهم أحسن المذاهب، ويلتمس لهم أحسن المخارج، لأن الأولياء دلّوا على معرفة الله، والعلماء دلّوا على أحكام الله، وبذلك جاءت الرسل من عند الله، فلا يظن بهم نقص ولا خلل، ولا غلول ولا دخل، فلهم قسط ونصيب من حرمة الأنبياء، ولا سيما خواص الأولياء، ومن يظن بهم نقصاً أو خللاً، ويغل قلبه على شيء من ذلك، فسيرى وباله يوم تفضح السرائر، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، فلحوم الأولياء والعلماء سموم قاتلة، وظن السوء بهم خيانة حاصلة. والله تعالى أعلم.
فاعتقاد الكمال فى الأنبياء والأولياء مستوجب لرضى الله، والانتقاد عليهم موجب لمقت الله، كما أشار إلى ذلك الحق- جلت قدرته- فقال: