وجب عليهم الرد بأحسن، وإذا كانوا ذاكرين أو متفكرين أو سكارى في شهود الحبيب سقط عنهم السلام، وكذلك إذا سلم عليهم اختبارًا وتعنيتًا لم يجب الرد. والله تعالى أعلم.
ولما ذكر أمر الحساب ذكر وقته، فقال:
[[سورة النساء (٤) : آية ٨٧]]
اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)
قلت: (الله) : مبتدأ، و (لا إله) : خبر، أو اعتراض، و (ليجمعنكم) : خبر، وهو أوفق بالسياق، و (لا ريب فيه) حال، أو صفة لمصدر، أي: جمعًا لا ريب فيه.
يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: لا مستحق للعبادة إلا هو، والله لَيَجْمَعَنَّكُمْ أي:
ليحشرنكم من قبوركم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ للحساب الذي وعدكم به، لا شك فيه، فهو وعد صادق، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً، أي: لا أحدَ أصدقُ من الله حديثًا، لأن الكذب نقص، وهو على الله محال.
الإشارة: الحق تعالى واحد في ملكه، فلا يذوق وحدانيته إلا من كان واحدًا في قصده وهمه، فكل من وحَّدّ قلبه وقصده وهمته في طلبه، وانجمع بكليته إليه، جمعه الله لحضرته، ونعَّمه بشهود ذاته، وعداً حقاً وقولاً صدقاً، لا ريب فيه ولا اشتباه، إذ لا أحدَ أصدق من الله.
ثم رجع إلى الكلام مع المنافقين، فقال:
[[سورة النساء (٤) : آية ٨٨]]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)
قلت: (فئتين) : حال، والعامل فيه: الاستقرار في الجر، وأركس الشيء: نكَّسه.
يقول الحق جلّ جلاله معاتبًا الصحابة حين اختلفوا في إسلام بعض المنافقين، فقال: فَما لَكُمْ افترقتم فِي شأن الْمُنافِقِينَ فرقتين، ولم تتفقوا على كفرهم، والحالة أن الله- تعالى- أَرْكَسَهُمْ، أي: نكَّسهم وردهم إلى الكفر بعد أن أظهروا الإسلام بسبب ما كسبوا من الآثام. أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، وسبق لهم الشقاء في علم الله؟ ومَن يُضللِ اللهُ فلن تجد له طريقاً إلى الهدى. قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: (نزلت في قوم كانوا بمكة من المشركين، فزعموا أنهم آمنوا ولم يهاجروا، ثم سافر قوم منهم بتجارات إلى الشام، فاختلف