قتلوه ونظروا إليه، فقالوا: الوجه وجه عيسى والجسد جسد صاحبنا. ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ أي:
لا علم لهم بقتله، لكن يتبعون الظن فقط. وَما قَتَلُوهُ قتلاً يَقِيناً كما زعموا بقولهم: إنا قتلنا المسيح، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فهو في السماء الثانية مع يحيى عليها السلام، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً أي: قويًا بالنقمة على اليهود، حكيمًا فيما حكم عليهم من اللعنة والغضب. والله تعالى أعلم.
الإشارة: نقضُ عهود الشيوخ من أسباب المقت والبعد عن الله، وكذلك الإنكار عليهم والطعن فيهم، وكذلك البعد عن وعظهم وتذكيرهم، وضد هذا من موجبات القرب والحب من الله، كحفظ حرمتهم، والوقوف مع أوامرهم، والذب عنهم حين تهتك حرمتهم، والدنو منهم، والسعي في خدمتهم. وبالله التوفيق.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي: ما من يهودي ولا نصراني، أي: الموجودين حين نزوله إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بعيسى قَبْلَ مَوْتِهِ أي: عيسى، وذلك حين نزوله من السماء، رُوِيَ أنه ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه، ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن به، حتى تكون الملة واحدة، وهي ملة الإسلام، وتقع الأمنة حتى يرتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفّى ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه.
وقيل الضمير فى (به) إلى عيسى، وفي (موته) إلى الكتابي، أي: وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى بأنه عبد الله ورسوله، قَبْلَ مَوْتِهِ أي: قبل خروج نفس ذلك الكتابي إذا عاين الملك، فلا ينفعه حينئٍذ إيمانه، لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل. ويؤيد هذا قراءة من قرأ: ليُؤمنُنَّ به قبل موتهم بضم النون، لأن (أحدًا) في معنى الجمع، وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الإيمان به من قبل أن يُضطر إليه ولم ينفعه إيمانه، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يشهد على اليهود بالتكذيب، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله. والله تعالى أعلم الإشارة: عند الموت تتحقق الحقائق، ويتميز الحق من الباطل، ويحصل الندم، ولا ينفع حين تزل القدم، فالمطلوب المبادرة بتحقيق الإيمان، وتحصيل مقام العرفان، قبل أن يسقط إلى جنبه، فينفرد رهينًا في قبره بذنبه.