فلا يُواليهم ولا تتبع أهواءهم إلا مَن كان ظالماً مثلهم، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ أي: ناصر المتقين، الذين أنت قدوتهم، فدمْ على ما أنت عليه من توليته خاصةً، والإعراض عما سواه بالكلية.
هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ أي: هذا القرآن واتباع الشريعة بصائر لقلوب الناس، كما جُعل روحاً وحياة لها، فإنَّ من تمسك بالكتاب والسنة، وأمعن فيها النظر، وعمل بمقتضاهما، فُتحت بصيرته، وحيي قلبُه، وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب، لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ لمَن كَمُلَ إيمانه وإيقانه بالأمور الغيبية.
الإشارة: الشريعة لها ظاهر وباطن، وهو لُبها وخالصها، فالعامة أخذوا بظاهرها، فأخذوا بكل ما يبيحه ظاهر الشريعة من الرخص والسهولة، ولا نظر عندهم لقلوبهم من النقص والزيادة، والخاصة أخذوا بباطنها، فأخذوا منها بالمُهم، وتركوا كل ما يَفتنهم أو ينقص من نور إيقانهم، فوصلوا بذلك إلى حضرة ربهم، فيقال للمريد: ثم جعلناك على طريقة واضحة من أمر الخاصة، فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ما يزيد في قلوبهم وما ينقص. إنهم لن يغنوا عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أبعدك بميلك إليهم واتباع أغراضهم.
قال القشيري: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أراد بك نعمة، فلا يمنعُها أحد، وإن أراد بك فتنة فلا يصرفها عنك أحد، فلا تُعلِّقْ بمخلوقٍ فكرك، ولا توجه ضميرك إلى شيء، وثِقْ به، وتوكلْ عليه. هـ. وأهل الغفلة بعضهم أولياء بعض، يتوالون على حظوظ الدنيا وشهواتها، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ الذين اتقوا كل ما يشغل عن الله، هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ أي: سبب فتح بصائرهم، وَهُدىً أي: إشارة لطريق الوصول، ورحمة للأرواح والقلوب، لقوم يوقنون، أي: لأهل اليقين الكبير.
قال القشيري: هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ، أنوار البصيرة إذا تلألأت انكشفت دونها تهمةُ التجويز، ونظرُ الناس على مراتب، مَن نظر بنور نجومه، فهو صاحب عقل، ومَن نظر بنور فراسته فهو صاحب ظن، يقوّيه لوح، ولكنه من وراء ستر، ومَن نظر بيقين فهو على تحكُّم برهان، ومَن نظر بعين إيمان فهو بوصف اتباع، ومَن نظر بنور بصيرة، فهو على نهار، وشمسه طالعة، وشمسه عن السحاب مصحية. هـ.