قال البيضاوي: واعلم أن السبب في هذه الضلالة أن أرباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله تعالى، باعتبار أنه السبب الأول، حتى قالوا: إن الأب هو الرب الأصغر، والله تعالى هو الرب الأكبر، ثم ظنّ الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة، فاعتقدوا ذلك تقليداً، ولذلك كفر قائله ومنع منه مطلقاً حسماً لمادة الفساد. هـ.
الإشارة: اعلم أنك إذا نظرت بعين البصيرة، أو بحق البصيرة، إلى الوجود بأسره، وجدته ذاتاً واحدة، ونسبته من الحق نسبة واحدة، أنوار ظاهرة، وأسرار باطنة، حكمته ظاهرة، وقدرته باطنة حسن ظاهر، ومعنى باطن، عبودية ظاهرة، وأسرار معاني الربوبية باطنة إذ لا قيام للعبودية إلا بأسرار معاني الربوبية، قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا، وقال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وقال في الحكم:«الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة، فالنفس تنظر إلى ظاهر بهجتها، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها» . فأهل الفَرْقِ يثبتون الأشياء مستقلة مع الله، وربما تغالى بعضهم فأشركها معه في الألوهية، فتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
قال محيي الدين الحاتمي: من رأى الخلق لا فعلَ لهم فقد فاز، ومن رآهم لا حياة لهم فقد جاز، ومن رآهم بعين العدم فقد وصل. هـ. قلت: ومن أثبتهم بالله فقد تمكن وصاله، وأنشدوا:
مَن أبصرَ الخلقَ كالسرابِ ... فقَد تَرقَّى عن الحجابِ
إِلى وُجودٍ تراهُ رَتْقاً ... بِلاَ ابتعادٍ ولا اقْتِرابِ
ولم تُشَاهِدْ به سواهُ ... هناك تهدي إلى الصوابِ
فَلا خِطابَ بِه إليهِ ... وَلا مُشِيرَ إلى الخطابِ. هـ.
ولما قال رافع بن حريملة- من أحبار يهود- للرسول صلّى الله عليه وسلّم: أسمعنا كلام الله إن كنت رسوله، أو أرنا آية تصدقك، ردّ الله تعالى عليه، فقال: