مكية، إلا قوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ... الآية، نزلت فى غزوة أحد. وهى مائة وثمان وعشرون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله: حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «١» وهو الموت وما بعده من البعث والحساب، وهو أمر الله الذي أشار إليه بقوله:
يقول الحق جلّ جلاله: أَتى أَمْرُ اللَّهِ أي: البعث والحساب. وعبّر بالماضي لتحقُّق وقوعه، أو: ثبت أمره وقضاؤه، وقد جفّ القلم بما يكون، لا عن سؤال واستعجال، وتدبير من الخلق، ولو كان كذلك لنافى انفراده بتدبير ملكه، ولذلك نزّه نفسه بقوله: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. أو: إهلاك الله إياهم يوم بدر، وكانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول من قيام الساعة، وإهلاكهم ونصره عليهم، استهزاء وتكذيباً ولذلك قال:
فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ، والمعنى: أن الأمر الموعود به بمنزلة الماضي، لتحقّق وقوعه من حيث إنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه، فإنه لا خير لكم فيه، ولا خلاص لكم منه.
ورُوِيَ لمّا نزل قوله: أَتى أَمْرُ اللَّهِ، وثب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائماً، ورفع الناس رؤوسهم، فلما قال: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ، سكن. وكان المشركون يقولون: إن صح ما يقول محمد من قيام الساعة، فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا، فقال تعالى: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي: تنزه وجلَّ عن أن يكون له شريك، فيدفع ما أراد بهم. هـ.
وقرأ الأخوان بالخطاب، على وفق قوله:(فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، والباقون بالغيب، على تلوين الخطاب، أو على أن الخطاب للمؤمنين، أي: أتى أمر الله أيها المؤمنون فلا تستعجلوه، سبحانه وتعالى عما يشركه به المشركون. أو: لهم ولغيرهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إذا أشرق نورُ اليقين في صميم القلوب تحقق وقوع ما وعد الله به من أمر الغيوب، فصار الماضي آتياً، والمستقبل واقعًا. وفي الحكم:«لو أشرق نور اليقين في قلبك، لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها، ولرأيت الدنيا وكسفَةُ الفناء ظاهرة عليها» . وكذلك المقادير المستقبلة والمواعيد الغيبية، كلها عند أهل اليقين محققة الوقوع، واجبة الحصول، ينتظرون وقوعها في مواقيتها، شيئًا فشيئًا، ويتلقونها بالمعرفة والأدب فإن كانت جلالية فبالرضى والتسليم، وإن كانت جمالية فبالحمد والشكر، هكذا نظرهم دائمًا إلى ما يبرُز من عنصر القدرة، ليس لهم