في التطوع، تفضل عَلانيتها بسبعين ضعفاً. وأما الفريضة ففيها تفصيل، فمن خاف على نفسه شوْبَ الرياء أخفى أو نَوّب، ومَنْ أَمِنَ أَظْهَر. فقد ورد أن علانية الفريضة تَفْضُلُ سرَّها بخمسة وعشرين ضعفاً، فإن فعلتم ما أُمرتم به في الوجهين، فقد أحسنتم، وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ أي: نستر عنكم بعض ذنوبكم، وقد ورد في صدقة السر أن صاحبها يُظله الله يوم لا ظِلَّ إِلا ظله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لا يخفى عليه مَن أَسَرَّ أو جَهَر، ومن أخلص أو خلط، ففيه ترغيب وترهيب. والله تعالى أعلم.
الإشارة: معاملة العبد مع مولاه: إما أن تكون لطلب الأجور، وإما لرفع الستور، فالأول يُعطي أجره من وراء الباب، والثاني يدخل مع الأحباب. وأما العامل للدنيا فهو ظالم لنفسه (وما للظالمين من أنصار) ، وفي بعض الآثار: طالب الدنيا أسير، وطالب الآخرة أجير، وطالب الحق أمير.
ثُم الناس في معاملة الحق على أقسام ثلاثة: قِسْمٍ يليق بهم الإخفاء والإسرار، وهم طالبو الإخلاص من المريدين السائرين. وقسْمٍ يليق بهم الإظهار وهم أهل الاقتداء من العلماء المخلصين. وقسْم لا يقفون مع ظهور ولا خفاء، بل مع ما يبرز في الوقت، وهم العارفون الكاملون. ولذلك قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه:(مَن أحبَّ الظهور فهو عبد الظهور، ومَن أحبّ الخفاء فهو عبد الخفاء، ومن كان عبد الله فسواء عليه أظهره أم أخفاه) .
والهداية كلها بيد الله، ليس لغيره منها شىء، كما أبان ذلك الحقّ جلّ جلاله بقوله:
يقول الحق جلّ جلاله لنبيه عليه الصلاة والسلام: لَيْسَ عَلَيْكَ يا محمد هُداهُمْ أي: لا يجب عليك أن تخلق الهداية في قلوبهم، وليس من شأنك ذلك، إنما أنت نذير تدلُّ على الخير، كالنفقة وغيرها، وتنهى عن الشر كالمِّن والأذى، وإنفاق الخبيث، وغير ذلك من المساوئ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ بفضله وإحسانه، فالأمور كلها بيد الله خيرها وشرها، ولكن من جهة الأدب مَّآ أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ. وبالله التوفيق.
الإشارة: ما قيل في الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقال في ورثته من أهل التذكير، فليس بيدهم الهداية والتوفيق، وإنما شأنهم الإرشاد وبيان الطريق، فليس من شأن الدعاة إلى الله الحرص على هداية الخلق. وإنما من