للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووصفهم بقوله: الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي: لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يُعطونها، وهو إخبار بما سيقع، إذ لم تكن الزكاة حينئذ مفروضة، أو: لا يفعلون ما يكونون به أزكياء، وهو الإيمان. وفيه تحذير من منع الزكاة، حيث جعله من أوصاف المشركين. وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أي: وهم بالبعث والثواب والعقاب كافرون.

والجملة: عطف على (يؤتون) داخل في الصلة. وإنما جعل منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته، وصدق نيته، وخلوص طويته، وما ارتدت العرب إلا بمنعها.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ غير مقطوع، من: مننت الحبل: قطعته، أو: غير ممنون به عليهم. وقيل: نزلت في المرضى والهَرْمَى، إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون «١» .

الإشارة: كان الرّسول- عليه الصلاة والسّلام- يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ.. إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلوا وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ- الذين هم أطبّة القلوب- الكرامة، يقولون ما قالت الرسل: إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة- حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب- هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجرٌ غيرُ ممنونٍ، وهو شهود الحق على الدوام.

والله تعالى أعلم.

ثم وبّخهم على الكفر بعد بيان بطلانه، فقال:

[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٩ الى ١٢]

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)


(١) قاله السدى فيما ذكره القرطبي (٧/ ٥٩٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>