للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ بسبب تكذيبهم للرسل- عليهم السلام- فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله- عزّ وجل- وحده، واليوم الآخر، الذي ينكرونه، فإن في مشاهدة عاقبتهم ما فيه كفاية لأولي البصائر. وفي التعبير عن المكذبين بالمجرمين، لطف بالمسلمين، بترك الجرائم، وحث لهم على الفرار منها، كقوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ «١» ومِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا «٢» .

ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي: لأجل أنهم لم يتبعوك، ولم يُسْلِموا فَيَسْلَمُوا. وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ في حرج صدر مِمَّا يَمْكُرُونَ من مكرهم وكيدهم، أي: فإن الله يعصمك من الناس. يقال: ضاق ضيقاً- بالفتح والكسر.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٧١ الى ٧٣]

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣)

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي: وعد العذاب التي تعدنا، إن كنت من الصادقين في إخبارك بإتيانه على من كذّب. والجملة باعتبار شركة المؤمنين في الإخبار بذلك. قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ أي: تبعكم ولحقكم. استعجلوا العذاب، فقيل لهم: عسى أن يكون رَدِفَ، أي: قرب لكم بعضه. وهو عذاب يوم بدر، واللام زائدة للتأكيد. أو: ضمّن الفعل معنى يتعدّى باللام، نحو: دنا لكم، أو: أزف لكم. وعسى ولعل وسوف، في وعد الملوك ووعيدهم، يدل على صدق الأمر، وجدّه، وعلى ذلك جرى وعد الله، ووعيده.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أي: إفضال وإنعام على كافة الناس. ومن جملة إنعامه: تأخير العقوبة عن هؤلاء، بعد استعجالهم لها، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ أي: أكثرهم لا يعرفون حق النعمة، ولا يشكرونها، فيستعجلون بجهلهم وقوع العذاب، كدأب هؤلاء. والله تعالى أعلم.

الإشارة: التفكر والاعتبار من أفضل عبادة الأبرار، ساعة منه أفضل من عبادة سبعين سنة. ومن أجلّ ما يتفكر فيه الإنسان: ما جرى على أهل الغفلة والبطالة والعصيان، من تجرع كأس الحِمام، قبل النزوع والإقلاع عن الإجرام، فندّموا حيث لم ينفع الندم، وقد زلَّت بهم القدم، فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم من الأعمال الصالحات رجعوا. فليعتبر الإنسان بحالتهم، لئلا يجري عليه ما جرى عليهم، وليبادر بالتوبة إلى ربه، وليشديده على أوقات عمره، قبل أن تنقضي في البطالة والتقصير، فيمضي عمره سبهللاً. ولله در القائل:


(١) من الآية ١٤ من سورة الشمس. [.....]
(٢) من الآية ٢٥ من سورة نوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>