للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما ذكر من كمل صفاؤه من السابقين، ومن كمل خوضه من المنافقين، ذكر من جمع بين الصفاء والخوض، فقال:

[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٢]]

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)

يقول الحق جلّ جلاله: وَقوم آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وهو التخلف عن الجهاد، ولم يعتذروا عن تخلفهم بالأعذار الكاذبة، وهم طائفة من المتخلفين لما بلغهم ما نزل في المتخلفين أوثقوا أنفسَهم على سواري المسجد، وقالوا: لا نحل أنفسنا حتى يحلنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل المسجد، فصلى فيه ركعتين، على عادته، فرآهم وسأل عنهم، فذُكر له سببهم، فنزلت الآية فأطلقهم «١» .

خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً بعمل سيىء وَآخَرَ سَيِّئاً بعمل صالح، خلطوا العمل الصالح الذي هو إظهار الندم والاعتراف بالذنب، بآخر سيىء وهو التخلف وموافقة أهل النفاق، أو خلطوا عملاً صالحاً، وهو ما سبق لهم من الجهاد مع الرسول، وغيره من الأعمال، بآخر سيىء، وهو تخلفهم عن تبوك. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أي: يقبل توبتهم المدلول عليها بقوله: اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، والرجاء في حقه تعالى واجب. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يتجاوز عن التائب ويتفضل عليهم.

قال بعضهم: ما في القرآن آية أرجى لهذة الأمة من هذه الآية. وقال القشيري: قوله: وَآخَرَ سَيِّئاً بعد قوله: عَمَلًا صالِحاً، دليل على أن الزَّلَّةَ لا تحبط ثوابَ الطاعة إذ لو أحبطته لم يكن العملُ صالحاً، وهو كذلك.

انتهى. قُلْتُ: وما ذكره من عدم الإحباط هو مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة، ولا يعارضه حديث مسلم: «أًنَّ رَجُلاً قال: واللَّهِ لا يَغفِرُ الله لفُلانِ، وإنَّ اللَّهَ قالَ: مَن الذي يَتَأَلّى «٢» عَلَيَّ أَلاَّ أَغفِرَ لفُلانِ، وإنّي غَفَرتُ لَه وأحبطَتُ عَمَلك» «٣» أو كما قال لأن هذا الرجل كان من بني إسرائيل، ولعل شرعهم مخالف لشرعنا لأن هذه الأمة المحمدية قد وضع الله عنها أثقال بني إسرائيل، فهي ملة سمحة، ولعل هذا الرجل أيضاً كان قانطاً من رحمة الله ومكذباً بها، فهو كافر. انظر الحاشية الفاسية.

الإشارة: الناس ثلاثة: سابقون ومخلطون ومنهمكون. فالسابقون فائزون، والمخلطون راجون، والمنهمكون هالكون، إلا من تاب وعمل صالحاً، فالسابقون هم الذين غلب إحسانهم على إساءتهم، وصفاؤهم على كدرهم، إن هفوا رجعوا قريباً، فقد تمر عليهم السنين الطويلة ولا يكتب عليهم ملك الشمال شيئاً وذلك ليقظتهم، لا لعصمتهم،


(١) أخرجه البيهقي فى الدلائل (باب حديث أبى لبابة وأصحابه ٥/ ٥٧٢) وابن جرير فى التفسير (١١/ ١٠) عن ابن عباس- رضى الله عنه.
(٢) يتألى: يحلف. والألية: اليمين.. انظر النهاية (ألى ١/ ٦٢) . [.....]
(٣) أخرجه مسلم فى (البر والصلة، باب النهى عن تقنيط الإنسان من رحمة الله) من حديث جندب- رضى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>