القهر والإجبار، فالواجب عليك أيها العبد أن تكون لك عينان: عين تنظر لحكمتي وشريعتي فتتأدب، وعينٌ تنظر لقدرتي وحقيقتي فتُسلم، وتكون بين الأمن والرّهْب، فلا تأمَنْ مَكْرِي وإن أمَّنتُك، ولا تيأس من حلمي وإن أبعدتك، فعلمي لا يحيط به محيط، إلا من هو بكل شيء محيط.
الإشارة: إن الذين أنكروا وجود الخصوصية، وجحدوا أهل مشاهدة الربوبية من أهل التربية النبوية، لا ينفع فيهم الوعظ والتذكير، بما سبق لهم في علم الملك القدير، فسواء عليهم أأنذرتهم وبال القطيعة والحجاب، أم لم تنذرهم لعدم فتح الباب، قد ختم الله على قلوبهم بالعوائد والشهوات، أو حلاوة الزهد والطاعات، أو تحرير المسائل والمشكلات، وعلى سمع قلوبهم بالخواطر والغفلات، وجعل على أبصارهم غشاوة الحجاب، فلا يبصرون إلا المحسوسات، غائبون عن أسرار المعاني وأنوار التجليات، بخلاف قلوب العارفين، فإنها ترى من أسرار المعاني مالا يُرى للناظرين، وفي ذلك يقول الشاعر:
قلوبُ العَارفِينَ لَهَا عُيُونٌ ... ترى مالا يُرى للناظرينا
فسبحان من حجب العالمين بصلاحهم عن مصلحهم، وحجب العلماء يعلمهم عن معلومهم، واختصّ قوماً بنفوذ عزائمهم إلى مشاهدة ذات محبوبهم، فهم في رياض ملكوته يتنزهون، وفي بحار جبروته يسبحون، لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ.
ولمَّا ذكر الحق- جل جلاله- من أعلن بالإنكار، ذكر من أسَرَّ بالجحود وأظهر الإقرار، فقال جل وعلا:
قلت:(من) موصوفة مبتدأ، والخبر مقدم، أي: ومن الناس ناس يقولون كذا، والمخادعة: إظهار خلاف ما يخفي من المكروه، وأصل الخدع: الإخفاء، ومنه المخدع للبيت الذي يخبأ فيه المتاع. وقيل: الفساد لأن المنافقين
(١) تنسب هذه الأبيات للحلاج، كما تنسب لميمونة السوداء فى قصة مع إبراهيم بن أدهم.. راجع كتاب عقلاء المجانين.