قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أي: كنا نرجو أن ننتفع بك لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد، فتكون لنا سيداً، أو مُستشاراً في الأمور، وإن توافقنا على ديننا، فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا منك أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا قبلنا لتصرفنا عن ديننا، وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد، والتبري من الأوثان، مُرِيبٍ: مُوقع في الريبة مبالغة في الشك، قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ طريقة واضحة مِنْ رَبِّي وبصيرة نافذة منه، وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً: نبوة، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعني من عذابه إِنْ عَصَيْتُهُ وأطعتكم في ترك التبليغ، وموافقتكم في الدين الفاسد، فَما تَزِيدُونَنِي باستتباعكم غَيْرَ تَخْسِيرٍ بترك ما منحني الله به، والتعرض لغضبه، أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير تخسير لكم لأنه يجركم إلى الخسران. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل من وجهه الحق تعالى يدعو إلى الله فإنما يدعو إلى خصلتين: إفراد الحق بنعوت الألوهية، والقيام بوظائف العبودية شكراً لنعمة الإيجاد، وتوالي الإمداد. فقول صالح عليه السلام:(اعبدوا الله مالكم من إله غيره) ، هذا إفراد الحق بالربوبية، وقوله:(هو أنشأكم من الأرض) ، هذه نعمة الإيجاد. وقوله:(واستعمركم فيها) هي: نعمة الإمداد، وقوله:(فاستغفروه ثم توبوا إليه) ، هو القيام بوظائف العبودية شكراً لتلك النعمتين. وفي قوله:(إن ربي قريب مجيب) : ترهيب وترغيب.
وقوله تعالى:(قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) : يؤخذ من الآية: أن شُعاع الخصوصية، وآثارها، تظهر على العبد قبل شروق أنوارها، وهو جار في خصوص النبوة والولاية، فلا تظهر على العبد في الغالب حتى يتقدمها آثار وأنوار، من مجاهدة أو أنس، أو اضطرار أو انكسار، أو عرق طيب. والله تعالى أعلم. وكل من واجهه منهم تكذيب أو إنكار يقول:(أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ... ) الآية. وبالله التوفيق.