ومما ينسب للقطب ابن مشيش رضي الله عنه:
عليكَ بتقوى الله في السرِّ والجهرِ ... ذا شئتَ توفيقَا إلى سُبُلِ الخيرِ
لأن التُّقى أصلٌ إلى البِرَّ كلَّه ... فخُذه تَفُز بكلِّ نوعٍ من البرّ
وخيرُ جميعِ الزاد ما قال ربُّنا فَكُن ... يا أخي للهِ مُمتَثِل الأمر
ولمّا قرر أن الملك كله بيده، رغّب الناس فى رفع حوائجهم إليه، فقال:
[[سورة النساء (٤) : آية ١٣٤]]
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤)
قلت: (من) : شرطية، وجوابها محذوف دل عليه الكلام، أي: مَن كان يريد ثواب الدنيا فليطلبه منه، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، أو من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه خاصة، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة.
يقول الحق جلّ جلاله: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا والتوسع فيها، فليطلبه منا فعند الله ثواب الدارين، أو من كان يريد ثواب الدنيا، فليطلب مع ذلك ثوابَ الآخرة أيضًا، وليقل: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، فيعطيهما معًا لمن طلبهما، والثاني أنهض من الأول، وأكملُ منهما من أعرض عنهما وطلب مولاه، وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً، لا يخفى عليه مقاصد خلقه، فيعطي كُلاًّ على حسب قصده.
الإشارة: الهمم ثلاثة: همة دنية تعلقت بالدنيا الدنية، وهمة متوسطة تعلقت بنعيم الآخرة، وهمة عاليه تعلقت بالكبير المتعال. والله تعالى يرزق العبد على قدر همته، وبالهمم ترفع المقادير أو تسقط، فمن كانت همته دنية كان دَنيًا خسيسًا، ومن كانت همته متوسطة كان قدره متوسطًا، رحل من كون إلى كون، كحمار الرحا، يسير، والذي ارتحل منه هو الذي عاد إليه، ومن كانت همته عالية كان عالي المقدار، كبير الشأن، حاز الكونين بما فيهما، وزاد مشاهدة خالقهما. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ولما أمر بالعدل بين النساء أمر بالعدل فى الأحكام كلها، فقال:
[[سورة النساء (٤) : آية ١٣٥]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥)