وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ كرره ثالثًا للدلالة على كونه غنيًا حميدًا، فإن جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه، وبما أفاض عليها من الوجود، وأنواع الخصائص والكمالات على كونه حميدًا.
قاله البيضاوي. وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي: حافظًا ومجيرًا لمن تعلق به من أهل السموات والأرض. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إن لم تتقوه، ويأت بقوم آخرين، هم أطوع منكم وأتقى، وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً أي: بليغ القدرة لا يعجزه مُراد.
قال البيضاوي: وهذا- أي قوله:(إن يشأ يذهبكم..) - أيضًا تقرير لغناه وقدرته، وتهديد لمن كفر وخالف أمره، وقيل: هو خطاب لمن خالف الرسول صلّى الله عليه وسلم من العرب، وهو معنى قوله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ لما رُوي: أنها لمّا نزلت ضرب رسول صلّى الله عليه وسلم يدَه على ظهر سَلمَان وقال: «إنّهم قَومُ هذا» .
الإشارة: التقوى أساس الطريق ومنهاج أهل التحقيق، عليها سلك السائرون، وبها وصل الواصلون، قد وصَّى بها الحق تعالى المتقدمين والمتأخرين، وبها قرّب المقربين وشرّف المكرمين. ولها خَمسُ درجاتٍ: أن يتقي العبد الكفر وذلك بمقام الإسلام، وأن يتقي المعاصي والمحرمات وهو: مقام التوبة، وأن يتقي الشبهات وهو مقام الورع، وأن يتق المباحات، وهو مقام الزهد، وأن يتقي شهود السَّوى والحس وهو مقام المشاهدة.
ولها فضائل مستنبطة من القرآن، وهي خمس عشرة: الهداية لقوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، والنصرة لقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا، والولاية لقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ والمحبة لقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وتنوير القلب لقوله: يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً، والمخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب، لقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، وتيسير الأمور لقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً وغفران الذنوب وإعظام الأجر لقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً، وتقبل الأعمال لقوله: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ والفلاح لقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ والبشرى لقوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
، ودخول الجنة لقوله: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، والنجاة من النار لقوله: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا. هـ. من ابن جزي.