يستوى عندك من يمدحك ويذمك، ويعطيك ويمنعك، ومن يؤذيك وينفعك، ومن يشدد عليك ويوسع، فلا أشك في كمالك. هـ.
فإن قلت: لِمَ ذكر الحق، جل جلاله، الاستواء في حق سيدنا موسى، ولم يذكره في حق نبيه يوسف- عليهما السلام؟ فالجواب: أن سيدنا يوسف عليه السلام تربى في السجن وفي نار الجلال، وكل محنة تزيد تهذيباً وتدريباً، فما بلغ الأشد حتى وقع له كمال الاستواء، بخلاف سيدنا موسى عليه السلام فإنه تربى في العز والجمال، فاحتاج إلى تربية وتهذيب، بعد كمال الأشد، فلم يحصل له كمال الأدب إلا بعد الاستواء الذي يليق به، فلذلك ذكره فى حقه. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله: فَأَصْبَحَ موسى فِي الْمَدِينَةِ أي: مصر خائِفاً على نفسه من قتله قَوَداً بالقبطي، وهذا الخوف أمر طبيعي لا ينافي الخصوصية، يَتَرَقَّبُ: ينتظر الأخبار عنه، أو ما يقال فيه، أو يترصد الاستفادة منه. وقال ابن عطاء: خائفاً على نفسه، يترقب نصرة ربه، فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ: يستغيثه، مشتق من الصراخ لأنه يقع في الغالب عند الاستغاثة. والمعنى: أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانياً من قبطي آخر، قالَ لَهُ مُوسى أي: للإسرائيلي: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أي:
خال عن الرشد، ظاهر الغي، فقد قاتلتَ بالأمس رجُلاً فقتلتُه بسببك. قال ابن عباس: أُتِي فرعون، فقيل له: إن بني إسرائيل قد قتلوا منا رجلاً، فالقصاص، فقال: ابغُوني القاتل والشهود، فبينما هم يطلبون إذ مر موسى من الغد،