وكان شيخ شيخنا رضي الله عنه يقول:(مراقبةُ الخلقِ عند أهل الظاهر شيءٌ كبير، وعدم المراقبة عند الباطن أمر كبير) . فإقامة العدل على النفس ألاَّ يتركها تميل إلى الرخص والتأويلات، وإقامته على الوالدين تذكيرهما بالله ودلالتهما على الله بلطف ولين، وإقامته على الأقربين بنصحهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، كانوا أغنياء أو فقراء، وإقامته على الأجانب كذلك. وبالله التوفيق.
ولما فرغ مما يتعلق بحفظ اللسان، تكلم على حفظ الإيمان، وهو الأمر السادس مما تضمنته السورة، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: مخاطبًا من أسلم من اليهود- وهو عبد الله بن سَلاَم وأسَد وأسيد ابنا كَعبٍ، وثَعلبة بن قَيسٍ، وسلّام بن أخت عبد الله بن سلام، وسلمة ابن أخية ويامين- قالوا يا رسول الله، نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعُزَّير، ونكفُرُ بما سِوَاهُ من الكُتب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«آمِنُوا بالله ورسوله محمد صلّى الله عليه وسلم وبكتابه القرآن، وبكل كتاب قبله» ، فَنزلت الآية.
فقال لهم جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد، بعد أن آمنوا بموسى آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ القرآن وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ أي: جنس الكتاب، فتدخل الكتب المتقدمة كلها، وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي: ومن يكفر بشيء من ذلك فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً أي: أخطا خطًأ بعيدًا لا يكاد يعود إلى الطريق، فلما نزلت قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بالجميع، ولا نفرق بين أحد منهم، كما فرقت اليهود والنصارى.
وقيل: الخطاب للمنافقين، أي: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمِنُوا بقلوبكم، كما آمنتم بألسنتكم، وقيل: للمؤمنين، أي: دُوموا على إيمانكم، وأثبتوا عليه.
الإشارة: أمر الحق جل جلاله، أهل الإيمان أن يجددوا إيمانهم، فيثبتوا على ما هو حاصل، ويسترشدوا إلى ما ليس بحاصل، فإن أنوار الإيمان تتزايد وتترادف على القلوب بحسب التصفية والنظر، وبقدر الطاعة والتقرب، فلا يزال العبد يتقرب إليَّ الله، وأنوار التوجه تتوارد عليه، حتى تشرق عليه أنوار المواجهة وهي أنوار الشهود، فشروق الأنوار على قدر صفاء الأسرار، وورود الإمداد على حسب الاستعداد، فبقدر التفرغ من الأغيار ترد على