يقول الحق جلّ جلاله: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أي: يستخبرونك أَحَقٌّ هُوَ أي: ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة. قيل: قاله حيي بن أخطب لما قدم مكة. قُلْ لهم: إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ أي: العذاب الموعود لحق، أو ما ادعيته من النبوة لثابت، والأول أرجح لقوله: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ: بفائتين العذاب الموعود.
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ بالشرك أو التعدي على الغير ما فِي الْأَرْضِ من خزائنها وأموالها لَافْتَدَتْ بِهِ: لجعلته فدية لها من العذاب، وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ أي: أخفى رؤساء هؤلاء الكفار الندامة خوف الشماتة والتعيير من سفلتهم، لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ، أو جميعهم، لأنهم بهتوا بما عاينوا، مما لم يحتسبوا من فظاعة الأمر وهوله، فلم يقدروا أن ينطقوا، وقيل أظهروها، من قولهم: أسر الشيء: أظهره، ومنه: أسارير الوجه، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، ليس تكراراً لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم، والثاني في جزاء المشركين على شركهم. قاله البيضاوي.
الإشارة: كثير من الناس من يستخبر عن شيخ التربية، أحق وجوده أم لا؟ قل: إي وربي إنه لحق، ولا يخلو منه زمان، إذ القطب والعدد الذي يقوم الوجود بهم لا ينقطع، والقطبانية لا تدرك من غير تربية أصلاً، وما أنتم بفائتين عنه إن طلبتموه بصدق الاضطرار. ولو أنَّ لكلِّ نفسٍ ظلمت نفسها- حيث بقيت بعيبها وغم حجابها حتى لقيت مولاها- ما في الأرض جميعاً لافتدت به من البعد وغم الحجاب، وفوات القرب من الأحباب، وقد قضى بين الخلائق بالحق، فارتفع المقربون الذين لقوا الله بقلب سليم، وانحط الغافلون، الذين لقوا الله بقلب سقيم، وندموا على ترك صحبة من يخلصهم من عيبهم، فإن كانت لهم رئاسة علم أو صلاح أضمروا ذلك عمن قلدهم، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.
يقول الحق جلّ جلاله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقًا وملكاً وعبيداً، يتصرف فيهم تصرف المالك في ملكه، فلا يتطرقه ظلم ولا جور. ويحتمل أن يكون تقريراً لقدرته على الإثابة والعقاب، أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي: ما وعد به من الثواب والعقاب، لا خلف فيه، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لقصور