الإشارة: إذا دخل العارف في بحر الفناء، وغاب عن حسه ورسمه، واتصل معناه ببحر معاني الأسرار، جرت سفينة فكرته في بحر الذات وأنوار الصفات، فقال لأصحابه: اركبوا فِيهَا، بِسْمِ الله مجريها وَمُرْسَاهَا، إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رحيم، حيث غطى وصفكم بوصفه، ونعتكم بنعته. فوصلكم بما منه إليه، لا بما منكم إليه. فصارت سفن الأفكار تجري بهم في موج كالجبال، وهي تيار بحر الذات. فالخمرة الأزلية الخفية الصافية بحر لا ساحل له، وما ظهر من أنوار الصفات أمواجه. فأنوار الآثار هي أمواج البحار، وما عظم من أمواجه يسمى التيار، ولذلك قيل: العارفون يغرقون في بحر الذات، وتيار الصفات، فتراهم إذا غرقوا في بحر الأسرار وتيار الأنوار، وساروا فيها بمدد أسرارهم، تلاطمت عليهم أمواجه. وهي تجري بهم في موج كالجبال، فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، فآواه إلى جبل السنة المحمدية. فكان من الناجين.
وآخرون حال بينهم الموج، فكانوا من المغرقين، فالتبس الأمر عليهم، فقالوا بالحلول والاتحاد، أو نفي الحكمة والأحكام. وهذا في حق مَن ركب بلا رئيس ماهر، وإلا رده إلى سفينة النجاة، وهي: التمسك بالشريعة المحمدية في الظاهر، والتحقق بالحقيقة الأصلية. وبالله التوفيق.
قلت:(بعداً) : منصوب على المصدر، أي: أبعَدوا بعداً.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقِيلَ أي: قال الله: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ الذي خرج منك، فانفتحت أفواهاً، فرجع إليها ما خرج منها، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي: أمسكي عن الإمطار. رُوي أنها أمطرت من كل موضع، فبقي ما نزل منها بحاراً على وجه الأرض.
قال البيضاوي: نوديا بما ينادى به أولو العلم، وأُمرا بما يؤمرون به، تمثيلاً لكمال قدرته، وانقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما، بالأمر المطاع، الذي يأمر المنقاد لحكمه، المبادر إلى امتثال أمره، مهابة من عظمته، وخشية من أليم عقابه. والبلع: النشف، والإقلاع: الإمساك. هـ.
وَغِيضَ الْماءُ نقص ولم ينشف ما خرج منها، وَقُضِيَ الْأَمْرُ: وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين، وإنجاء المؤمنين، وَاسْتَوَتْ: استقرت السفينة عَلَى الْجُودِيِّ جبل بالموصل. وقيل: بالشام. وتقدم أنه