الملائكة إليها، فيطرحونها فتسقط من السماء، بخلاف أرواح المؤمنين تُفتح لهم أبواب السماء حتى يفضوا إلى سدرَة المنتهى. وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ أي: يدخل، الْجَمَلُ وهو البعير فِي سَمِّ الْخِياطِ أي:
في ثقب الإبرة، والمعنى: لا يدخلون الجنة حتى يكون ما لا يكون أبداً، فلا يدخلون الجنة أبدًا، وقرأ ابن عباس (الجُمل) بضم الجيم وسكون الميم، وهو حبل السفينة، الذي جُمِعَ بعضُه إلى بعض حتى صار أغلظ ما يكون.
ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أي: مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي المجرمين، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ أي: فراش، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ أي: أغطية من النار. وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ عبَّر عنهم بالمجرمين تارة، وبالظالمين أخرى إشعارًا بأنهم بتكذيبهم الآيات، اتصفوا بالجرم والظلم، وذكر مع الحرمان من الجنة: الجرم، ومع التعذيب بالنار: الظلم تنبيهًا على أن الظلم أعظم الإجرام.
الإشارة: أهل التربية النبوية من الشيوخ العارفين: آية من آيات الله، من كَذَّب بهم، واستكبر عن الخضوع لهم، لا تفتح لفكرته أبواب السماء، بل يبقى مسجونًا بمحيطاته، محصورًا في هيكل ذاته، ولا يدخل جنة المعارف أبدًا، بل يحيط به الحجاب من فوقه ومن أسفله، فتنحصر روحه في الأكوان، ولم تفض إلى فضاء الشهود والعيان.
وفي الحِكَم:«الكائن في الكون، ولم تفتح له ميادين الغيوب، مسجون بمحيطاته، محصور في هيكل ذاته» .
وقال أيضًا:«وسعك الكون من حيث جثمانيتك، ولم يَسعَك من حيث ثبوتُ روحانيِتك» ، فكل من لم تثبت له الروحانية: فهو محصور في الكون، وكل من ثبتت له الروحانية بأن استولى معناه على حسه، لم يسعه الكون، ولم يحصره عرش ولا فرش، وكذلك الصوفي لا تظله السماء ولا تقله الأرض، أي: لا يحصره الكون من حيث فكرتُهُ. والله تعالى أعلم.