للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الذي جعل ليل القبض لتسكنوا فيه عن التعلق بالغير، ونهار البسط لتبصروا في انتشاركم الحقائق العرفانية والأسرار الربانية، إن كنتم تسمعون به ومنه، فتنزهونه عما لا يليق به، كما قال تعالى:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٨ الى ٧٠]

قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)

قلت: (عندكم) : متعلق بالاستقرار، و (من سلطان) فاعل به لأن المجرور والظرف إذا نفى يرفع الفاعل بالاستقرار، و (متاع) : خبر، أي: ذلك متاع ... الخ.

يقول الحق جلّ جلاله: قالُوا أي: المشركون ومن تبعهم: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً أي: تبنّاه كالملائكة وغيرهم، سُبْحانَهُ أي: تنزيهاً له عما يقول الظالمون، فإن التبني لا يصح إلا ممن يتصور منه الولد، هُوَ الْغَنِيُّ عن كل شيء، مفتقر إليه كلُّ شيء، والولد مسبب عن الحاجة، والحق تعالى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُلكاً وعبيداً، فلا يفتقر إلى اتخاذ الولد، وهو الغني بالإطلاق، لا يحتاج إلى من يعينه، واجب الوجود لا يفتقر إلى من يخلفة في ملكه. إِنْ عِنْدَكُمْ أي: ما عندكم مِنْ سُلْطانٍ أي:

برهان بِهذا، بل افتريتموه من عندكم، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، وهو توبيخ وتقريع على اختلاقهم وجهلهم، وفيه دليل على أنَّ كل قول لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد فيها من قاطع، وأن التقليد فيها غير سائغ. قاله البيضاوي.

قلت: والتحقيق أن إيمان المقلِّد صحيح، وأن تقليد الأنبياء والرسل والكتب السماوية صحيح مكتفٍ عن الدليل.

ثم هدد أهل الشرك فقال: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه، لا يُفْلِحُونَ: لا ينجون من النار، ولا يفوزون بالجنة، إنما ذلك الافتراء مَتاعٌ فِي الدُّنْيا يقيمون به رئاستهم في الكفر، فيتمتعون به قليلاً، أو لهم تمتع في الدنيا مدة أعمارهم، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ بالموت، فيلقون الشقاء المؤبد، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.

الإشارة: إظهار الكائنات من الغيب إلى الشهادة كلها على حد سواء في الاختراع والافتقار، ليس بعضها أقرب من بعض، وأما قوله: - عليه الصلاة والسلام-: «الخَلقُ عِيَالُ اللَّهِ وأحبُّ الخَلْقِِِ إلى اللَّهِ أَنفَعُهُم لِعِيَالِهِ» فمعناه أنهم في حفظه وكفالته مفتقرون إليه في إيصال المادة، كافتقار الولد إلى أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>