للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلوة به تعالى، والمناجاة معه دون الناس، فيعطي الخلوة به والمناجاة في القيامة، فيكون مقامًا محمودًا، ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم. وأجلُّهم فيه درجةً: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيعطى من المحامد ما لم يُعط قبل، ويُشَفَّع فيَشْفَع. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: وقد يقال: إن ذلك مرتب على قوله: (أَقِمِ الصَّلاةَ..) الآية، ولا يخص بقيام الليل، والصلاةُ، مطلقًا مفاتحةٌ للدخول على الله ومناجاةٌ له، ولذلك جاء في حديث الشفاعة افتتاحه بأن «يخر ساجدًا حامدًا، فيؤذن حينئذ بالشفاعة» . ومن تواضع رفعه الله. هـ.

الإشارة: قوم اعتنوا بإقامة صلاة الجوارح، وهم: الصالحون الأبرار، وقوم اعتنوا بإقامة صلاة القلوب، التي هي الصلاة الدائمة، وهم العارفون الكبار، وقوم اعتنوا بسهر الليل في الركوع والسجود، وهم العباد والزهاد والصالحون، أولوا الجد والاجتهاد. وقوم اعتنوا بسهره في فكرة العيان والشهود، وهم المقربون عند الملك الودود.

الأولون يُوفون أجرهم على التمام بالحور والولدان، والآخرون يُكشف لهم الحجاب ويتمتعون بالنظر على الدوام، الأولون محبون، والآخرون محبوبون، الأولون يشفعون في أقاربهم ومن تعلق بهم، والآخرون قد يشفع واحد منهم في أهل عصره. وما ذلك على الله بعزيز.

ولما أمره بالقيام بوظائف العبودية، أمره بالتعلق فى أموره كلها بالربوبية، فقال:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٠ الى ٨١]

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١)

يقول الحق جلّ جلاله: وَقُلْ يا محمد: رَبِّ أَدْخِلْنِي في الأمور كلها مُدْخَلَ صِدْقٍ بأن أدخل فيها بك لا بنفسي، وَأَخْرِجْنِي منها مُخْرَجَ صِدْقٍ كذلك، مصحوبًا بالفهم عنك، والإذن منك في إدخالي وإخراجي. وقيل: أدخلني قبري مدخل صدق راضيًا مرضيًا، وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق، أي: إخراجًا مرضيًا مُلقى بالكرامة. فيكون تلقينًا للدعاء بما وعده من البعث، المقرون بالإقامة للمقام المحمود، التي لا كرامة فوقها. وقيل: المراد: إدخال المدينة، والإخراج من مكة. وقيل: إدخاله- عليه الصلاة والسلام- مكة ظاهرًا عليها، وإخراجه منها آمنًا من المشركين. وقيل: إدخاله الغار، وإخراجه منه سالمًا. وقيل: إدخاله فيما حمله من أعباء الرسالة، وإخراجه منه مؤديًا حقه. وقيل: إدخاله في كل ما يلائمه من مكان أو أمر، وإخراجه منه بالحفظ والرعاية، بحيث يدخل بالله ويخرج بالله. وهو الراجح كما قدمناه.

وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ أي: من مستبْطَن أمورك، سُلْطاناً نَصِيراً أي: حجة ظاهرة، تنصرني على من يخالفني ويعاديني، أو: عزًا ناصرًا للإسلام، مظهرًا له على الكفر. فأجيبتْ دعوته- عليه الصلاة والسلام-

<<  <  ج: ص:  >  >>