قال ابن عطية: وجملة ما عليه أهلُ العلم في هذا: أن الأمر بالمعروف متعين متى رجى القبول، أو رجى رد المظالم، ولو بعُنف، ما لم يخف الآمِرُ ضررًا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين، إما بشق عصًا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم، حُكمٌ واجب أن يوقف عنده. هـ.
ثم هدَّد مَن لم ينته، فقال: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وفيه تنبيه على أن أحدًا لا يؤاخذ بذنب غيره، وتسليةٌ عن أمور الدنيا مكروهها ومحبوبها، بذكر الحشر وما بعده، وعن بعض الصالحين أنه قال: ما من يوم إلاَّ يجييئنى الشيطان فيقول: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبور. هـ.
الإشارة: في الآية إغراء وتحضيض على الاعتناء بإصلاح النفوس وتطهيرها من الرذائل، وتحليتها بالفضائل، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عليكم بإصلاح أنفسكم أولاً، فإذا صلحت فأصلحوا غيركم، فعلى العبد أن يشتغل بشأن نفسه ولا يلتفت إلى غيره، حتى إذا كمل تطهيرُها، وفرغ من تأديبها، فإن أمره الحق- جل جلاله- بإصلاح غيره على لسان شيخ كامل، أو هاتف حقيقي، فليتقدم لذلك، فإنه حينئٍذ محمول محفوظ مأذون، وإلا فعليه بخاصة نفسه، كما تقدّم. والله- تعالى- أعلم.
ولما جرى ذكر المرجع وما بعده، ولا يكون إلا بالموت، ناسب أن يذكر الوصية، التي من شأنها أن تكون عندها، فقال:
قلت:(شهادة) : مبتدأ، وخبره:(اثنان) ، أي: مقيم شهادة بينكم اثنان، أو حذف الخبر، أي: فيما أمرتكم شهادة بينكم، و (اثنان) على هذا: فاعل شهادة، و (إذا) : ظرف لشهادة، و (حين الوصية) : بدل منه، ويجوز أن يكون (إذا) : شرطية حذف جوابها، أي: إذا حضر الموت فينبغي أن يشهد حين الوصية اثنان، و (ذوا عدل) : صفة