قلت: الود: محبة الشيء مع تمنيه، و «مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» بيانية كقوله: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ، و «أَن يُنَزَّلَ» معمول يود، و «مِّنْ خَيْرٍ» صلة، و «مِّن رَّبكُمْ» ابتدائية.
يقول الحق جلّ جلاله: ما يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إنزال خير عليكم مِنْ رَبِّكُمْ ولا المشركون حسداً منهم، بل يتمنون أن تبقوا على ضلالتكم وذُلِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ كالنبوة والولاية مَنْ يَشاءُ من عباده. فلا يجب عليه شيء ولا يمتنع عليه ممكن، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، فَيَمُنُّ بالنبوة أو الولاية على مَن يشاء فضلاً وإحساناً.
الإشارة: في الآية تنبيهان: أحدهما: أن من كان يحسد أهل الخصوصية وينكر عليهم، فيه نزعة يهودية، وخصلة من خصال المشركين، والثاني: أن حسد أهل الخصوصية والإنكار عليهم أمر شائع وسنة ماضية، فليوطن المريد نفسه على ذلك، وليعلم انه ما يقال له إلا ما قيل لمن قبله، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وما من نعمة إلا وعليها حسود.
قلت: النسخ في اللغة يُطلق على معنيين أحدهما: التغيير والتحويل، يقال: مسخه الله قرداً ونسخه. قال الفراء: ومنه نسخ الكتاب، والثاني: بمعنى رفع الشيء وإبطاله. يقال: نَسَخَتِ الشمسُ الظلَّ، أي: ذهبت به وأبطلته، وهو المراد هنا.
والإنساء هو الترك والإذهاب، والنساء هو التأخر. و «ما» شرطية منصوبة بشرطها مفعولاً به. و «نَأْتِ» جوابها.
يقول الحق جلّ جلاله: في الرد على اليهود حيث قالوا: انظروا إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، فأجاب الله عنهم بقوله: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أي: نزيل لفظها أو حكمها أو هما معاً، نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها في