الصوارف فقال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟ إيذانًا بإن الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية، وأن الأعذار قد انقطعت. هـ ولذلك لما سمعها الفاروق رضى الله عنه حين نزلت، قال:(قد انتهينا يا ربنا) .
وبهذا الآية وقع تحريم الخمر، وقد كان حلالاً قبلها، بدليل سكوته صلّى الله عليه وسلّم على شربها قبل نزول الآية، فإن قلت:
حفظ العقول من الكليات الخمس التي اتفقت الشرائع على تحريمها؟ قلنا: لا حُكم قبل الشرع، بل الأمر موقوف إلى وروده، ولما طالت الفترة، وانقطعت الشرائع عند العرب، رجعت الأشياء إلى أصلها من الإباحة بمقتضى قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «١» ، حتى جاءت الشريعة المحمدية فحرمتها كالشرائع قبلها، فكانت حينئٍذ حرامًا، ودخلت في الكليات الخمس التي هي: حفظ العقول والأبدان والأموال والأنساب والأديان.
ثم أكد ذلك أيضًا بقوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فيما أمر ونهى، وَاحْذَرُوا غضبهما إن خالفتم، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أو أعرضتم عن طاعتهما فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ لا تضرّه مخالفتكم، إنما عليه البلاغ وقد بلغ.
الإشارة: المقصود هو النهي عن كل ما يصد عن الله أو يشغل العبد عن شهود مولاه، وخص هذه الأربعة، لأنها أمهات الخطايا ومنبع الغفلة والبلايا، فالخمر فيه فساد العقل الذي هو محل الإيمان، والميسر فيه فساد المال وفساد القلب بالعداوة والشحناء، وفساد الفكر لاستعماله في الهوى، والأنصاب فيه فساد الدين الذي هو رأس المال، والأزلام فيه الفضول والاطلاع على علم الغيب، الذي هو سر الربوبية، وهو موجب للمقت والعطب، والعياذ بالله.
ثم عفا عما سلف من الخمر والميسر قبل التحريم، فقال: