للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآية كانت سبب إسلام كعب الأحبار، سمعها من بعض الصحابة فأسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والمسخ جائز على هذه الأمة، كما وقع فى الأمم السابقة، بدليل ما في كتاب الأشربة من البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليكوننَّ من أمَّتي أقوام يَستحلُّون الحِر والحَريرَ، والخمر والمعازف، ولينزلنَّ أقوام إلى جَنِب علَمِ، يَروحُ عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غَدًا، فيُبيَّتُهم الله، ويضع عليهم العَلَم، ويَمسَخُ آخرين قِردَة وخنازيرَ إلى يوم القيامة» .

الإشارة: حملة الشريعة يخاطبون بالإيمان بأهل الحقيقة، لأنها لبها وصفاؤها، فإن امتنعوا من الإيمان بها ومن الإذعان لأهلها، طمس الله وجوه قلوبهم، وملأها خوفًا وجزعًا وحبًا للدنيا، وردها على أدبارها، فلا تفهم أسرارَ الكتاب ولا تفقه إشارة الخطاب، فإن قصّروا عن حقوق الشريعة، وغيَّروا أحكامها مُسخوا قردة وخنازير. وفي نوادر الأصول بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَكُونُ فِي أُمَّتي قزَعةٌ «١» ، فَيَصيرُ النَّاسُ إلى عُلَمَائِهِمْ، فإذا هُم قِردَةٌ وخَنَازِيرُ» .

قال الترمذي الحكيم: فالمسخ: تغيير الخلقة عن جهتها، فإنما حل بهم المسخ لأنهم غيَّروا الحق عن جهته، وحرفوا الكلم عن مواضعه، فمسخوا عن أعين الخلق، وقلوبُهم عن رؤية الحق. فمسخ الله صورهم وبدَّل خِلقتهم، كما بدلوا الحق باطلاً. هـ. وبالله التوفيق.

ولمَّا دعاهم إلى الإيمان، أخبرهم أنهم إن داموا على الكفر لا مطمع لهم فى الغفران، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ٤٨]]

إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)

يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ لأنه بتَّ الحكم على خلود عذابه، لأن الله تعالى غيور لا أحد أغير منه. كما في الحديث، ومن عادة الملوك إذا خرج أحدٌ من رعيته ونصر غيره لا يقبل منه إلا الرجوع أو الموت. ولا شفاعة تنفع فيه غير الرجوع عنه، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ الشرك لِمَنْ يَشاءُ من الكبائر والصغائر. تاب أم لا. فالعصاة أذا لم يتوبوا في مشيئة الله، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ارتكب ما تستحقر دونه الآثام. وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب، والله تعالى أعلم.


(١) فى الأصول «فزعة» بالفاء، والمثبت هو الذي الجامع الكبير للسيوطى وكنز العمال. والقزعة: قطعة من الغيم وجمعها: قزع.
انظر النهاية فى غريب الحديث (قزع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>