للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخرز من الترك، وخراب الترك من الصواعق، وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب العراق من القحط. هـ.

قلت: وسكت عن المغرب، ولعله المعنىّ بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله» «١» . زاد في رواية: وهم أهل المغرب، ورجحه صاحب المدخل «٢» ، قال: لأنهم متمسكُون بالسنة أكثر من المشرق «٣» . والله تعالى أعلم بغيبه.

الإشارة: القرية محل تقرر السر، وهو القلب، فإما أن يُهلكه الله بالتلف والضلال، وإما أن يُعذبه عذابًا شديدًا بالمجاهدات والمكابدات، ثم ينعمه نعيمًا كبيرًا بالمشاهدات والمناجاة. كان ذلك في الكتاب مسطورًا، فريق في الجنة وفريق في السعير.

ثم أجاب عن تأخر الآيات بعد اقتراحها، فقال:

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٩]]

وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)

قلت: (أَنْ نُرْسِلَ) : مفعول «منعنا» ، و (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ) : فاعل.

يقول الحق جلّ جلاله: وما صَرَفَنَا عن إرسال الآيات التي اقْتَرَحَتْهَا قريش بقولهم: اجعل لنا الصّفَا ذَهَبًا، إلا تكذيب الأولين بها، فهلكوا، وهم أمثالهم في الطبع، كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوها، فيهلكوا أمثالهم، كما مضت به سنتُنا، وقد قضينا في أزلنا ألا نستأصلهم لأن فيهم من يُؤمن، أو يلد من يؤمن.

ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ بسبب سؤالهم، مُبْصِرَةً بينة ذات إبصار، أو بصائر واضحة الدلالة، يُدركها كلُّ من يبصرها. فَظَلَمُوا بِها فكفروا بها، أو: فظلموا أنفسهم بسبب عقرها، فهلكوا، وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب المستأصِلِ، فإن لم يخافوا نزل بهم، أو: وما نرسل بالآيات غير المقترحة، كالمعجزات وآيات القرآن، إلا تخويفًا بعذاب الآخرة فإن أمر من بعث إليهم مؤخر إلى يوم القيامة. قاله البيضاوي.


(١) أخرجه البخاري فى (المناقب. باب ٢٨) ومسلم فى (الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» من حديث معاوية رضي الله عنه.
(٢) هو ابن الحاج العبدري صاحب «المدخل إلى الشرع الشريف» .
(٣) فى تعيين هذه الطائفة يقول الإمام النووي: يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>