وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ بكل خير، الظافرون بنيل الحسنى والزلفى عند الله، دون من عداهم ممن لم يفعل ذلك.
ثم زاد في كرامتهم فقال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ أي: تقريب وعطف منه وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها أي: في الجنان نَعِيمٌ مُقِيمٌ دائم، لانفاد له ولا انقطاع. وتنكير المبشر به إشعار بأنه وراء التعيين والتعريف، حال كونهم خالِدِينَ فِيها أَبَداً، أكد الخلود بالتأبيد لأنه قد يطلق على طُول المكث، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يُستحقر دونه مشاق الأعمال المستوجبة له، أو نعيم الدنيا إذ لا قدر له في جانب نعم الآخرة.
الإشارة: لا يستوي من قعد في وطنه مع عوائده وأسبابه، راكناً إلى عشائره وأحبابه، واقفاً مع هواه، غافلاً عن السير إلى مولاه، مع من هاجر وطنَه وأحبابَه، وخرق عوائده وأسبابه، وجاهد نفسه وهواه، سائراً إلى حضرة مولاه، لا يستوون أبداً عند الله لأن هؤلاء مقربون عند لله، والآخرون في محل البعد عن الله، ولو كثر علمهم وعملهم عند الله، شتان بين من همته القصور والحور، وبين من همته الحضور ورفع الستور، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات المعارف لهم فيها نعيم لأرواحهم، وهو الشهود والعيان، لا يحجب عنهم طرفة عين، إن الله عنده أجر عظيم، لا يخطر على قلب بشر. لا حرمنا الله من ذلك.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ الذين بقوا على كفرهم أَوْلِياءَ توالونهم بالمحبة والطاعة، إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ واختاروه على الإيمان. نزلت في شأن المهاجرين فإنهم لما أُمروا بالهجرة قالوا: إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا، وذهبت تجارتنا، وبقينا ضائعين. وقيل: نزلت فيمن ارتد ولحق بمكة، فنهى الله عن موالاتهم. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بوضعهم الموالاة في غير موضعها.