رد القضاء والقدر، والتفويض: ألا يرى لنفسه، ولا للخلق جميعاً، قدرةً على النفع والضر، فيرى الله بإيجاد الموجود في جميع الأنفاس، بنعت المشاهدة والحال، لا بنعت العلم والعقل. وقال بعضهم: التفويض: قبل نزول القضاء، والتسليم: بعد نزول القضاء. وقال ذو النون حين سُئل عنه: متى يكون العبد مفوضاً؟ قال: إذا أيس من فعله ونفسه، والتجأ إلى الله في جميع أحواله، ولم تكن له علاقة سوى ربه. هـ. أي: لم يكن له تعلُّق إلا بالله. فالمقامات ثلاث:
التفويض قبل النزول، والرضا بعده بالمجاهدة، والتسليم بلا مجاهدة.
وقوله تعالى: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا هذه نتيجة التفويض، فكُلّ من فوض أمره إلى الله فيما ينزل به، وقاه الله جميع المكاره، وكُلَّ ما يخشى إن قطع عن قلبه التعلُّق بغير الله، كما هو حقيقة التفويض. قال القشيري: أشدُّ العذاب على الكفار: يأسُهم عن الخروج، وأما العصاة من المؤمنين فأشدُّ عذابهم: إذا علموا أن هذا يومُ لقاءِ المؤمنين. هـ. أي: وهم قد حرموا ذلك.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ أي: واذكر لقومك وقت تخاصم الكفار في النار، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ منهم لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وهم رؤساؤهم: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً، وهو جمع تابع، كخادم وخدَم، أو: ذوي تَبَع، على أنه مصدر، أو: وصف به للمبالغة، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ أي: فهل أنتم دافعون، أو: حاملون عنا جزءاً من النار؟ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها، التنوين عوض عن المضاف، أي: كلنا فيها، لا يُغني أحد عن أحد. وقرىء (كُلاًّ) بالنصب «١» على التأكيد، وهو ضعيف لخلوه من
(١) قرأ بذلك ابن السميفع وعيسى بن عمر. انظر القرطبي (٧/ ٥٩٣٧) والبحر المحيط (٧/ ٤٤٨) .