الحسي، وفي الباطن: القلوب الصلبة كالحديد، فتلين لوعظه بالإيمان والمعرفة. وكذا في حق كل عارف تلين لوعظه القلوب، وتقشعر من كلامه الجلود. وهو أعظم نفعاً من لين الحديد الحسي. ويقال له: أن اعمل سابغات، أي: دروعا تامة، يتحصّن بها من الشيطان والهوى، وهو ذكر الله، يستعمله ويأمر به، ذكراً متوسطاً، من غير إفراط ممل، ولا تفريط مخل. فإذا انتعش الناس على يده كَبُرَ قدره عند ربه، فيؤمر بالشكر، وهو قوله: وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله: وَسخرنا لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ، وهي الصبا، غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ أي: جريها بالغد مسيرة شهر، إلى نصف النهار، وجريها بالعشي كذلك. فتسير في يوم واحد مسيرة شهرين. وكان يغدو من دمشق، مكان داره، فيقيل بإصطخر فارس، وبينهما مسيرة شهر، ويروح من إصطخر فيبيت بكابل، وبيهما مسيرة شهر للراكب المسرع. وقيل: كان يتغذّى بالريّ، ويتعشّى بسمرقند. وعن الحسن: لَمَّا عقر سليمان الخيل، غضباً لله تعالى، أبدله الله خيراً منها الريح، تجري بأمره حيث شاء، غدوها شهر ورواحها شهر. هـ «١» .
قال ابن زيد: كان لسليمان مركب من خشب، وكان فيه ألف ركن، في كل ركن ألف بيت معه، فيه الجن والإنس، تحت كل ركن ألف شيطان، يرفعون ذلك المركب، فإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فتسير به وبهم. قلت: وقد تقدّم أن العاصفة هي التي ترفعه، والرخاء تسير به، وهو أصح. ثم قال: فتقيل عند قوم، وتُمسي عند قوم، وبينهما شهر، فلا يدري القوم إلا وقد أظلّهم، معه الجيوش.
(١) عزاه فى الدر المنثور (٥/ ٤٢٧) لعبد الرزاق، وابن أبى شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابنُ أبي حاتم، عن الحسن.