قلت: ماز يميز، وميّز يُمَيِّز، بمعنى واحد، لكن في ميّز معنى التكثير.
يقول الحق جلّ جلاله لعامة المؤمنين والمنافقين: ما كانَ اللَّهُ ليترك الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الاختلاط، ولا يعرف مخلصكم من منافقكم، بل لا بد أن يختبركم حتى يتميز المنافق من المخلص، بالوحي أو بالتكاليف الشاقة، التي لا يصبر عليها إلا المخلصون، كبذل الأموال والأنفس في سبيل الله، ليختبر به بواطنكم، ويستدل به على عقائدكم، أو بما ظهر في غزوة أحد من الأقوال والأفعال التي تدل على الإيمان أو النفاق، وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ حتى تعرفوا ما في القلوب من كفر أو إيمان، أو تعرفوا: هل تَغْلُبون أو تُغْلَبُون. وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي لرسالته مَنْ يَشاءُ، فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات، أو ينصب له ما يدل عليها، فَآمِنُوا بِاللَّهِ الذي اختص بعلم الغيب الحقيقي، وآمنوا برسله الذين اختارهم لأسرار الغيوب، لا يعلمون إلا ما علَّمهم.
رُوِيَ أن الكفرة قالوا: إن كان محمد صادقاً فليخبرنا: من يؤمن منا ومن يكفر؟ فنزلت الآية. وقيل: سببها ما تقدم من قول المنافقين، ووجه المناسبة: هو ما صَدَرَ منهم يوم أُحُد من المقالات التي ميزتهم من المؤمنين.
وَإِنْ تُؤْمِنُوا إيماناً حقيقياً وَتَتَّقُوا النفاق والشرك فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ عند الله.
الإشارة: من سُنّة الله في المتوجهين إليه إذا كثروا، وظهرت فيهم دعوى القوة، أرسل الله عليهم ريح التصفية، فيثبت الصحيح، والخاوي تذروه الريح، وما كان الله ليذرهم على ما هم عليه من غير اختبار، حتى يميز الخبيث من الطيب، أي: مَنْ هِمَّتُه الله ومَنْ هِمَّتُه سواه، وما كان الله ليُطلعكم على الغيب حتى يعلموا من يثبت ممن يرجع، أو يعلموا ما يلحقهم من الجلال والجمال، وإنما ذلك خاص بالرسل عليهم السلام، وقد يُطلع على شيء من ذلك بعض خواص ورثتهم الكرام، فالواجب على المريد أن يُؤمن بالقدر المغيب، ولا يستشرف على الاطلاع عليه «استشرافُك على ما بطن فيك من العيوب، خير من استشرافك على ما حُجب عنك من الغيوب» . (وإن تؤمنوا) بمواقع القضاء والقدر، (وتتقوا) القنوط والكدر، (فلكم أجر عظيم) .