فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ أي: يبعد عنها ويجحد ربوبيتها وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ أي: يصدق بوحدانيته، ويقر برسله، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أي: فقد تمسك بالدين المتين، لا انقطاع له أبداً، وَاللَّهُ سَمِيعٌ بالأقوال، عَلِيمٌ بالنيات، فإنَّ الدين مشتمل على قول باللسان وعقد بالجَنَان، فحسن التعبير بصفة السمع والعلم.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: قال في الحكم: «لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق، إنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك» . وقال أحمد بن حضرويه: الطريق واضح، والحق لائح، والداعي قد أَسْمَع، ما التحير بعد هذا إلا من العمَى. هـ. فطريق أسير واضحة لمَن سبقت له العناية، باقية إلى يوم القيامة، وكل ما سوى الله طاغوت، فمن أعرض عن السَّوَى، وعلق قلبه بمحبة المولى، فقد استمسك بالعروة الوثقى، التي لا انفصام لها على طول المدى. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم بيَّن الحق تعالى حال أهل العناية من أهل الشقاوة، فقال:
قلت: الولي: هو المحب الذي يتولى أمور محبوبه، أو الناصر الذي ينصر محبوبه، ولا يخذله بأن يكله إلى نفسه. وجملة (يخرجهم) : حال من الضمير المستتر في الخبر، أو من الموصول أو منهما، أو خبر ثان.
يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا أي: محبهم ومتولي أمورهم، يُخْرِجُهُمْ مِنَ ظلمات الكفر والجهل، ومتابعة الهوى وقبول الوسواس، والشبه المُشْكِلة في التوحيد- إلى نور الإيمان واليقين، وصحة التوحيد، ومتابعة الداعي إلى الله، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ أي: أحباؤهم الطَّاغُوتُ أي: الشياطين، أو المضلات من الهوى والشيطان وغيرهما، يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ الذي مُنحوه بالفطرة الأصلية، أو يصدونهم من الدخول في الإيمان إلى ظلمات الكفر والجهل، والتقليد الرديء واتباع الهوى، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ بسبب نِيَّاتهم البقاء على الكفر إلى الممات، ولم يذكر في جانب المؤمنين دخول الجنة لتكون عبادتهم عبودية، لا خوفاً ولا طمعاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة:(الله ولي الذين آمنوا) حيث تولاهم بسابق العناية، وكلأهم بعين الرعاية، يخرجهم أولا من طلمات الكفر إلى نور الإيمان، ثم من ظلمات الحس ورؤية الأكوان إلى نور المعاني بحصول الشهود والعيان، فافن