للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دنياكم، ولا تشغلوا «١» جوارحكم جوارح غذيت بنعمته في التعرُّض لخطأ بمعصيته، واجعلوا شغلكم بالتماس معرفته، واصرفوا هممكم إلى التقرُّب بطاعته، إنه مَن بدأ بَنَصِيبه من الدنيا فَاتَه نصيبُه من الآخرة، ولم يُدرك منها ما يريد، ومَن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا، وأدرك من الآخرة ما يريد» «٢» .

قال الورتجبي: حرث الآخرة: مشاهدته ووصاله وقربه، وهذا للعارفين، وحرث الدنيا: كرامات الظاهر، ومَن شغلته الكرامات احتجب بها عن الحق. ثم قال: عن بعضهم: مَن عَمِل لله محبة له، لا طلباً للجزاء، صغر عنده كل شيء دون الله، فلا يطلب حرث الدنيا، ولا حرث الآخرة، بل يطلب الله من الدنيا والآخرة. ثم قال: حرث الدنيا: قضاء الوطر منها، والجمع منها، والافتخار بها، ومَن كان بهذه الصفة فما له في الآخرة من نصيب. هـ.

وقال بعض الشعراء في هذا المعنى:

يا موثر الدنيا على دينه ... ومشترٍ دنياه بالآخره

بعتَ الذي يبقى بما ينقضي ... تبّاً لها من صفقة خاسره.

ثم ذكر مقابل قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ، كأنه تعالى لمّا ذكر أنه شرع ما وصى به، أخذ ينكر ما شرع غيره، فقال:

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ ...

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢١]]

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١)

يقول الحق جلّ جلاله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ، «أم» : منقطعة، أي: بل ألهم شركاء، أو: معادلة لمحذوف، تقديره: أقبلوا ما شرعت لهم من الدين، أم لهم آلهة شرعوا من الدين ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ أي: لم يأمر به، وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي: القضاء السابق بتأخير الجزاء، أي: ولولا العِدة بأن الفصل يكون يوم


(١) هكذا فى جميع الأصول.
(٢) لم أقف عليه، رغم كثرة البحث. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>