يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا أجر صدقتكم بِالْمَنِّ بها على المتصدَّقِ عليه، وَالْأَذى الذي يصدر منكم له، بأن تذكروا ذلك للناس، فتكون صدقتكم باطلة، كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فإن أجره يوم القيامة يكون هباء منثوراً، فَمَثَلُهُ في انتفاعه بصدقته، وتستره بها في دار الدنيا، وافتضاحه يوم القيامة، كحجر أملس عَلَيْهِ تُرابٌ يستره، فيظن الرائي أنه أرض طيبة تصلح للزراعة، فَأَصابَهُ وابِلٌ أي: مطر غرير فَتَرَكَهُ صَلْداً حجراً يابساً خالياً من التراب، كذلك المراءون بأعمالهم، ينتفعون بها في الدنيا بثناء الناس عليهم وستر حالهم، فإذا قدموا يوم القيامة وجدوها باطلة، لا يَقْدِرُونَ عَلى الانتفاع ب شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ إلى مراشدهم ومصالح دينهم. وفيه تعريض بأن الرياء والمن والأذى من صفة الكافر، ولا بد للمؤمن أن يتجنب عنها.
وبالله التوفيق.
الإشارة: تصفية الأعمال على قدر تصفية القلوب، وتصفية القلوب على قدر مراقبة علام الغيوب، والمراقبة على قدر المعرفة. والمعرفة على قدر المشاهدة. والمشاهدة تحصل على قدر المجاهدة، وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا. وفي الحكم:«حسن الأعمال من نتائج حسن الأحوال. وحسن الأحوال من التحقق بمقامات الإنزال» والحاصل أن من لم يتحقق بمقام الفناء لا تخلو أعماله من شوب الخلل، ومن تحقق بالزوال لم ير لنفسه نسبة في عطاء ولا منع، ولا حركة ولا سكون، ولم ير لغيره وجوداً حتى يرجو منه نفعاً ولا خيراً. وفي بعض الإشارات: يا من يرائي أَمْر مَنْ من ترائِي بيد من تعصيه. هـ. وفي تمثيله بالحجر إشارة إلى قساوة قلبه ويبوسه طبعه، فلا يرجى منه خير قط. والعياذ بالله.