للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصطفيهم لحضرته، رُوِي أنه لمّا نزل تحريم الخمر، قالت الصحابة- رضى الله عنهم-: يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فنزلت.

ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة، أي: الماضي والحال والاستقبال، أو باعتبارات الحالات الثلاثة. فيستعمل التقوى فيما بينه وبين نفسه بالتزكية والتحلية، وفيما بينه وبين الناس بالكف عن التعرض لهم، وفيما بينه وبين الله بامتثال أمره واجتناب نهيه والغيبة عن غيره، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة، أو باعتبار المراتب الثلاثة المبدأ والوسط والنهاية، أو باعتبار ما يُتقى فإنه ينبغي أن يتقي المحرمات توقيًا من العقاب، ثم يتقي الشبهات تحفظًا من الحرام، ثم يتقي بعض المباحات تحفظًا للنفس عن خسة الشره، وتهذيبًا لها عن دنس الطبيعة، قال معناه البيضاوي.

الإشارة: المقامات التي يقطعها المريد ثلاث: مقام الإسلام، ومقام الإيمان، ومقام الإحسان، فما دام المريد مشتغلاً بالعمل الظاهر من صلاة وصيام وذكر اللسان، سُمي مقام الإسلام، فإذا انتقل لعمل الباطن من تخلية وتحلية وتهذيب وتصفية، سُمي مقام الإيمان، فإذا انتقل لعمل باطن الباطن من فكرة ونظرة وشهود وعيان سمي مقام الإحسان، وهذا اصطلاح الصوفية سموا ما يتعلق بإصلاح الظواهر: إسلامًا، وما يتعلق بإصلاح القلوب والضمائر: إيمانًا، وما يتعلق بإصلاح الأرواح والسرائر: إحسانًا. وجعل الساحلي في البغية كل مقام مركبًا من ثلاثة مقامات، فالإسلام مركب من التوبة والتقوى والاستقامة، والإيمانَ مركب من الإخلاص والصدق والطمأنينة، والإحسان مركب من مراقبة ومشاهدة ومعرفة. وأطال الكلام في كل مقام، لكن من سقط على شيخ التربية لم يحتج إلى شيء من هذا التفصيل. وبالله التوفيق.

ثم تكلم على حرمة الصيد فى الإحرام تبيينا لقوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، فقال:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>