بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني: أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
يقول الحق جلّ جلاله: وَكَمْ أَرْسَلْنا أي: كثيراً أرسلنا قبلك مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ في الأمم الماضية فكذّبوهم واستهزءوا بهم. وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، فاصبر كما صبروا. ويحتمل أن يكون تقريراً لِمَا قبله لبيان أن إسراف الأمم السابقة لم يمنعه تعالى من إرسال الرسل إليهم، وكونها تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلم أظهر. فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً أي: فأهلكنا مِن الأمم السالفة مَن كان أكثر منهم طغياناً وإسرافاً، وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي: سلف في القرآن غير مرة ذكر قصة الأولين، وهى عدة له صلى الله عليه وسلم، ووعيد لقومه، بطريق الأولوية. فمثل ما جرى على الأولين يجري على هؤلاء لاشتراكهم في الوصف. وظاهر الآية: أن النبي والرسول واحد، والمشهور: أن النبي أعم، ف كل رسول نبي، ولا عكس، فالنبي مقصور في الحُكم على نفسه، والرسول نبيّ مكلّف بالتبليغ.
الإشارة: ما سليت به الأنبياء والرّسل يُسلَى به الأولياء لأنهم خلفاؤهم، ف كل مَن أُوذي واستُهزئ به يتذكر ما جرى على مَن كان أفضل منه من الأنبياء وأكابر الأولياء، فيخف عليه الأذى. وبالله التوفيق.