لكن هذه الأحوال تختلف على العبد باعتبار القوة والضعف فتارة تجده قوياً يتلقى المهالك بوجه ضاحك، وتارة تصادفه الأقدار ضعيفاً فلا يبقى معه إلا الصبر وتجرع مرارة البلاء، والعياذ بالله. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه في كتاب القصد:«رأيت كأني مع النبيين والصديقين، فأردت الكون معهم، ثم قلت: اللهم اسلك بي سبيلهم مع العافية مما ابتليتهم، فإنهم أقوى ونحن أضعف منهم، فقيل لي: قل: وما قدّرت من شيء فأيَّدْنا كما أيدتهم» .
يقول الحق جلّ جلاله، حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام في تذكير قومه، أو من كلامه تذكيراً لهذه الأمة:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: ما جرى عليهم حين عصوا أنبياءهم قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ كقوم شعيب، وأمم كثيرة لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ لكثرة عددهم، واندراس آثارهم. ولذلك قال ابن مسعود: كذب النسَّابُون. جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الواضحات، فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ليعضوا عليها غيظاً مما جاءت به الرسل، كقوله: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ «١» . أو:
وضعوها عليها تعجباً منهم، أو: استهزاءً بهم، كمن غلب عليه الضحك. أو إسكاتاً للأنبياء، وأمراً لهم بإطباق الأفواه، أو: ردوها في أفواه الأنبياء، يمنعونهم من التكلم، أو: ردوا أياديهم، أي: نِعَم الأنبياء عليهم، وهي: مواعظهم والشرائع التي أتوهم بها من عند الله، ردوها في أفواه الأنبياء حيث كذبوها، ولم يعملوا بها، كما تقول لمن لم يمتثل أمرك: ترك كلامي في فمي وذهب. وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على زعمكم، وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا