فطرة الأزل بلزوم سمة العبودية بلا علة الاكتساب، عند سبق الإرادة. انتهى. قلت: وحاصل كلامه: أن مجيئهم فُرادى، كناية عن دخولهم الحضرة القدسية بعد تقديس الأرواح وتطهيرها، حتى رجعت لأهلها، كما خلقها أول مرة، أعني: مقدسة من شواهد الحس، مُطهرة من لُوثِ الإغيار، على فطرة الأزل، فشبه مجيئها الثاني بعد التطهير ببروزها الأول، حين كانت على أصل التطهير، كأنه قال: ولقد جئتمونا فرادى من الحس وشهود الغير كما خلقناكم كذلك في أول الأمر. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ أي: من العلوم الرسمية، والطاعات البدنية والكرامات الحسية، قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي العارف: كنتُ أعرف أربعة عشر علما، فلما علمت علم الحقيقة سرطت ذلك كله، فلم يبق لي إلا التفسير والحديث والمنطق. هـ. وقوله تعالى: وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ إشارة إلى أنهم دخلوا من باب الكرم لا من باب العمل. والله تعالى أعلم.
قلت:(ومُخرج) : معطوف على (فالق) ، على المختار لأنَّ (يُخرج الحي) - واقع موقع البيان له، و (سكنًا) :
مفعول بفعل محذوف، أي: جعله سكنًا، إلا أن يريد بجاعل: الاستمرار، فحينئذٍ ينصب المفعول.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى أي: يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها، يُخْرِجُ الْحَيَّ أي: كل ما ينمو من الحيوان والنبات ليطابق ما قبله، مِنَ الْمَيِّتِ مما لا ينمو كالنطف والحب. وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ أي: ومخرج الحب والنُّطَف من الحي، ذلِكُمُ اللَّهُ أي: ذلكم المخرج والمحيي المُميت هو الله المستحق للعبادة دون غيره، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ تُصرفون عنه إلى غيره.
فالِقُ الْإِصْباحِ أي: شاقّ عَمُود النهار عن ظُلمة الليل، وَجَعَلَ «١» اللَّيْلَ سَكَناً أي: يُسكن فيه من تَعَب النهار للاستراحة، وَجعل الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً أي: على أدوار مختلفة، يُعلم بها حساب
(١) قرأ عاصم وحمزة والكسائي- وكذا خلف-: (جعل) فعلا ماضيا. وقرأ باقى السبعة (جاعل) باسم الفاعل مضافا إلى الليل.