السبعين ألفًا، الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهم المتوكلون. أو تقول: هي في عداد من يلقى الله بالله، فليس لها شيء سوى الله، فحجته، ايوم تجادل النفوس، هو الله. كما قال الشاعر:
وجهك المحمود حجتنا ... يوم يأتي الناسُ بالحُجج
وبالله التوفيق.
ثم ضرب مثلا لمن كفر النعم، فقال:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٢ الى ١١٣]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣)
قلت: قَرْيَةً: بدل من: مَثَلًا.
يقول الحق جلّ جلاله: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا، ثم فسره بقوله: قَرْيَةً: مكة، وقيل: غيرها.
كانَتْ آمِنَةً من الغارات، لا تُهَاجُ، مُطْمَئِنَّةً لا تحتاج إلى الانتقال عند الضيق أو الخوف، يَأْتِيها رِزْقُها: أقواتها رَغَداً: واسعًا مِنْ كُلِّ مَكانٍ من نواحيها، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ بطرت بها، أو بنبي الله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ، استعار الذوق لإدراك أثر الضرر، واللباس لِمَا غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف، أما الإذاقة فقد كثر استعمالها في البلايا حتى صارت كالحقيقة، وأما اللباس فقد يستعيرونه لما يشتمل على الشيء ويستره يقول الشاعر:
غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضحكَتِهِ رِقَابُ المَالِ
فقد استعار الرداء للمعروف، فإنه يصون عِرْضَ صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه، والمعنى: أنهم لما كفروا النعم أنزل الله بهم النقم، فأحاط بهم الخوف والجوع إحاطة الثوب بمن يستتر به، فإن كانت مكة، فالخوف من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغاراته عليهم، وإن كان غيرها، فمن كل عدو، وذلك بسبب ما كانوا يصنعون من الكفر والتكذيب.
وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ، يعنى: محمدا صلى الله عليه وسلم، والضمير لأهل مكة. عاد إلى ذكرهم بعد ذكر مثَلِهم.
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ: الجوع والقحط، ووقعة بدر، وَهُمْ ظالِمُونَ ملتبسون بالظلم، غير تائبين منه. والله تعالى أعلم.