لقراءة الإمام في الصلاة، وقيل: في الخطبة، والأول الراجح، لوجهين: أحدهما: عموم اللفظ، ولا دليل على تخصيصه، والثاني: أن الآية مكيّة، والخطبة إنما شُرعت بالمدينة. وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي: بسبب ما تكتسبه القلوب من الرقة والخشية عند استماع القرآن، قال بعضهم: الرحمة أقرب شيء إلى مستمع القرآن لهذه الآية. قاله ابن جزي.
الإشارة: الاستماع لكلام الحبيب أشهى للقلوب من كل حبيب، لا سيما لمن سمعه بلا واسطة، فكل واحد ينال من لذة الكلام على قدر حضوره مع المتكلم، وكل واحد ينال من لذة شهود المتكلم على قدر رفع الحجاب عن المستمع، والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله، لنبيه صلى الله عليه وسلّم ولمن تبعه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ أي: في قلبك بحركة لسان القلب، أو في نفسك سرًا بحركة لسان الحس، تَضَرُّعاً وَخِيفَةً أي: متضرعًا وخائفًا، وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ أي: متكلمًا كلامًا فوق السر ودون الجهر، فإنه أدخل في الخشوع والإخلاص، ولا حجة فيه لمن منع الذكر جهرًا لأن الآية مكية حين كان الكفر غالبًا، فكانوا يسبون الذاكر والمذكور، ولما هاجر المصطفى- عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، جهر الصحابةُ بالتكبير والذكر. فالآية منسوخة. انظر: الحاوي في الفتاوى للإمام السيوطي. فقد أجاب عن الآية بأجوبة.
فقوله: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ أي: في الصباح والعشي، حين تتيقظ من نومك الشبيه بالبعث، وحين تريد النوم الشبيه بالموت، وقيل: المراد صلاةَ العصر والصبح، وقيل: صلاةَ المسلمين، قبل فرض الخمس، وقيل: للاستغراق، وإنما خص الوقتين لأنهما محل الاشتغال، فأولى غيرهما. وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ عن ذكر الله.
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعني ملائكة الملأ الأعلى، لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ يُنزهونه عما لا يليق به، وَلَهُ يَسْجُدُونَ أي: يخصونه بالعبادة والتذلل، لا يشركون به غيره، وهو تعريض بالكفار،