للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهلاك أهلها مع توفير مائها، وَقَصْرٍ مَشِيدٍ: مرفوع البنيان، من شاد البنيان: إذا رفعه، أو مجصّص بالشيد، أي: الجص، أي: مبنيًا بالشيد والجندل.

وقال الضحاك: كانت هذه البئر المعطلة بحضر موت، في بلدة يقال لها: حاضوراء، وذلك أن أربعة آلاف ممن آمن بصالح، ونجوا من العذاب، أتوا حضر موت، ومعهم صالح، فلما حضروا ذلك الموضع، مات صالح، فسمى حضر موت لأن صالحًا لما حضره مات، فبنوا حاضوراء، وقعدوا على هذه البئر، فأقاموا دهرًا طويلاً، وتناسلوا حتى كثروا، ثم عبدوا الأصنام وكفروا، فأرسل الله إليهم نبيًا يقال له: «حنظلة بن صفوان» ، فقتلوه فأهلكهم الله، وعطلت بئرهم وخربت قصورهم «١»

. هـ.

وحاصل المعنى: وكم قرية أهلكناها، وكم بئر عطلناها عن سقاتها، وقصر مشيد أخليناه عن ساكنه، أي، أهلكنا البادية والحاضرة جميعًا، فخلت القصور عن أربابها، والآبار عن روادها. فالأظهر أن البئر والقصر على العموم.

الإشارة: ما سلّى به الرسل- عليهم السلام- تسلى به الأولياء- رضوان الله عليهم- فتكذيب أهل الخصوصية سُنة ماضية، غير أن مُكذبي الرسل يُعاجَلون بالعقوبة، ومكذبي الأولياء يعاقبون بالبعد والحجاب. وقال القشيري:

(وبئر معطلة) ، الإشارة إلى العيون المفجرة من بواطنهم، (وقصر مشيد) الإشارة إلى تعطيل أسرارهم عن ساكنيها، من الهيبة والأنس وسائر المواجيد. هـ. قلت: وكأنه فسر القرية بالقلب، وهلاكه: خلاؤه من نور التوحيد، فقلوب الغافلين خاوية على عروش عقولهم، المطموس نورها، وعيون بواطنهم معطلة من الفكرة، وأسرارهم خاربة من نور النظرة. والله تعالى أعلم.

ثم أمر بالاعتبار بمن سلف من القرون المهلكة والآبار المعطلة، فقال:

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)


(١) ذكر البغوي فى التفسير (٥/ ٣٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>