يا مَن لم يقنع بتدبير مولاه، ومال إلى نيل حظه وهواه، اهبط إلى أرض الحظوظ والشهوات تجد فيها ما ألفته نفسك من عوائدك السيئات. يا مَن أخلدت نفسه إلى الهوى ومتابعة الشيطان، كيف تستبدل العز الدائم بالذل والهوان؟! وأنشدوا:
لاَ تتبع النفس في هواها ... إنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى هَوَانُ «١»
قال في التنوير:(فائدة) اعلم إن بني إسرائيل لمَّا دخلوا التيه، ورُزقوا المنّ والسلوى، واختار الله لهم ذلك رزقاً، رزقهم إياه، يبرز من عين المنة، من غير تعب منهم ولا نصب، فرجعت نفوسهم الكثيفة لوجود، العادة، والغيبة عن شهود تدبير الله، إلى طلب ما كانوا يعتادونه، فقالوا: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ الآية. قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وذلك لأنهم تركوا ما اختار الله لهم، مائلين لما اختاروا لأنفسهم. فقيل لهم عن طريق التوبيخ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟ فظاهر التفسير: أتستبدلون الفوم والعدس والبصل بالمنّ والسلوى؟ وليس النوعان سواء في اللذة ولا فى سقوط المشقة وسر الاعتبار، أتستبدلون مرادكم لأنفسكم بمراد الله تعالى لكم؟ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى وهو ما أردتموه، بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وهو ما أراده الله لكم؟ اهْبِطُوا مِصْراً فإن ما اشتهيتموه لا يليق إلا أن يكون في الأمصار، وفي سر الخطاب: اهبطوا عن سماء التفويض وحسن التدبير منا لكم، إلى أرض التدبير والاختيار منكم لأنفسكم، موصوفين بالذل والمسكنة لاختياركم مع اختيار الله، وتدبيركم لأنفسكم مع تدبير الله. هـ المراد منه.
ولما ذَكَّرَهُمْ الحق تعالى بالنعمة، ووبَّخَهم على ارتكاب الآثام، رغّبهم فى الإسلام، فقال:
قلت:(إن) : ناصبة مؤكدة، وخبرها: جملة (مَن آمن) أو (فلهم أجرهم) . و (من آمن) : بدل من اسمها، أو محذوف، والموصول: مبتدأ أي: إن الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين هادوا كذلك.
و (هادوا) : تهودوا، أي: دخلوا في اليهودية. وسمّوا يهوداً إما نسبة لأبيهم الأكبر (يهوذا بن يعقوب) ، أو مِنْ هَادَ، إذَا تَابَ لأنهم تابوا من عبادة العجل.