يقول الحق جلّ جلاله: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ أي: رسول إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ أي: بالبؤس والضر، كالقحط والأمراض، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ أي: يتضرعون ويتذللون، ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ الحالة السَّيِّئَةِ الحالة الْحَسَنَةَ أي: أعطيناهم، بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدة، السلامة والسعة، حَتَّى عَفَوْا: كثروا عَددًا وعُددًا، يقال: عفا النبات: إذا كثر، ومنه:«اعفوا اللِّحى»«١» . وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ كُفرًا لنعمة الله عليهم، ونسيانًا لذكره، واعتقادًا بأنه من عادة الدهر يتعاقب في الناس بين السراء والضراء، فقد مس آباءنا منه شيء مثل ما مسنا، فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً: فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنزول العذاب.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى المتقدمة في قوله: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ وقيل: مكة وما حولها. وقيل:
مطلقًا، آمَنُوا وَاتَّقَوْا مكان كفرهم وعصيانهم، لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لوَسعنا عليهم الخير، ويسرناه لهم من كل جانب. وقيل: المراد: المطر والنبات. وَلكِنْ كَذَّبُوا بالرسل، وكفروا النعم، فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من الكفر والمعاصي.
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أي: أبعد ذلك أمن أهل القرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ؟ أي: ليلاً، في حال نومهم. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا أيضًا ضُحًى ضحوة النهار وَهُمْ يَلْعَبُونَ من
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري فى (اللباس- باب إعفاء اللحى) من حديث ابن عمر رضى الله عنه.