الألوهية، كقول نبينا صلّى الله عليه وسلّم:«يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّت قَلبي عَلَى دِينِكَ»«١» . وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي: أحاط علمه بكل شيء مما كان وما يكون منا ومنكم، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا في أن يثبتنا على الإيمان، ويخلصنا من الإشراك. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا أي: احكم بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ بالعدل، بتمييز المحق من المبطل، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ أي: الفاصلين.
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً وتركتم دينكم إِنَّكُمْ إِذاً أي: إذا اتبعتموه لَخاسِرُونَ لاستبدالكم ضلالته بهداكم، أو لفوات ما يحصل لكم من البخس والتطفيف. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي: الزلزلة. وفي سورة الحجر. الصَّيْحَةُ، ولعلها كانت من مبادئها، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ أي: في مدينتهم جاثِمِينَ: باركين ميتين.
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أي: استؤصلوا كأنهم لم يقيموا فيها ساعة. الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ دينًا ودُنيا، بخلاف الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا فإنهم الرابحون، ولأجل التنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول، واستأنف الجملتين وأتى بهما اسميتين.
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، قاله بعد هلاكهم، تأسفًا عليهم، ثم أنكر على نفسه فقال: فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ ليسوا أهلاً للحزن عليهم، لاستحقاقهم ما نزل بهم.
الإشارة: يُؤخذ من قوله: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أن إقامة الشرائع، وظهور الدين من علامة إصلاح الأرض وبهجتها، وخصبها وعافيتها، وترك الشرائع وظهور المعاصي من علامة فساد الأرض وخرابها.
ويؤخذ من قوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ ... الآية، أن حض الناس على الإيمان ودلالتهم على الله من أفضل القربات عند الله، وأعظم الوسائل إلى الله.
ويؤخذ من قوله: وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن الإنسان لا يقف مع ظاهر الوعد والوعيد، ولعل الله تعالى علَّق ذلك الوعد أو الوعيد بشروط وأسباب أخفاها، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قراره. وفي بعض الآثار القدسية:«يا عبدي لا تأمن مكري وإن أمَّنتك، فعلمي لا يحيط به محيط» . والله تعالى أعلم.
(١) أخرجه مطولا أحمد فى المسند (٦/ ٩١) عن السيدة عائشة رضى الله عنها والترمذي فى (القدر- باب ما جاء أن القلوب بين أصبعى الرحمن) من حديث أنس رضى الله عنه. وفى (الدعوات، باب ٩٠) من حديث أم سلمة رضى الله عنها. [.....]