الإشارة: ما زال الدعاة إلى الله من أهل التربية النبوية يدعون الناس إلى الله، ويعرفونهم بالطريق إلى الله، يبينون لهم الطريق إلى عين التحقيق، والناس يبعدون عنهم ويفرّون منهم، وهم في أخراهم يقولون بلسان الحال أو المقال: يا عباد الله، هلم إلينا نعرفُكم بالله، وندلكم على الله، فلا يلوي إليهم أحد ولا يلتفت إليهم بشر، إلا مَن سبقت له العناية، وأراد الحق تعالى أن يوصله إلى درجة الولاية، «سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه» ، فأثابهم على الفرار غم الحجاب، متصلاً بغم الأسباب، فلا يحزنوا على ما فاتهم من المعرفة إذ لم يعرفوا قدرها، ولا على ما أصابهم من الغفلة والبطالة، إذ لم يتفطنوا لها، (والله خبير بما تعملون) يا معشر العباد، من التودد أو العناد. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم أنزل على أهل أحد الأمن والطمأنينة بعد الشدة والمحنة، كما أشار إلى ذلك الحق، بقوله:
قلت:(نعاسا) : بدل من (أمنة) ، أو هو المفعول، و (أمنة) : حال منه، مقدمة، أو مفعول له، أي: أنزل عليكم نعاساً لأجل الأمنة، أو حال من كاف (عليكم) ، أي: أنزل عليكم حال كونكم آمنين. والأمنة: مصدر أمِن، كالعظَمة والغَلَبة.
يقول الحق جلّ جلاله: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ أيها المؤمنون مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ الذي أصابكم بموت إخوانكم، والإرجاف بقتل نبيكم، الأمن والطمأنينة، حتى أخذكم النعاس وأنتم في الحرب. قال أبو طلحة:(غَشينَا النعاسُ ونحن في المصافّ، حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه) . وقال الزبير رضي الله عنه: لقد رأيتني حين اشتدّ الخوف، ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل الله- تعالى- علينا النوم، والله إني لأسمع قول معتب، والنعاس يغشاني، ما أسمعه إلا كالحلُم:(لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا) .
ثم إن هذا النعاس إنما يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وهم المؤمنون، أو: هذه الأمنة إنما تغشى طائفة منكم، وأما المنافقون فقد أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، أي: أوقعتهم في الهموم والغموم، أو ما يهمهم إلا أنفسهم، يُدبرون خلاصها