للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذا قُلْتُمْ

في حكومة ونحوها، فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ

المقول له في شهادة أو حكومة ذا قُرْبى

فيجب العدل في ذلك، وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

أي: ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع، أو ماعاهدتم مع عباده، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

تتعظون به.

وَأَنَّ هذا أي: ما تقدم في السورة كلها، صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ لأن السورة بأسرها إنما هي في إثبات التوحيد، والنبوة، وبيان الشريعة، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الأديان المختلفة والطرق التابعة للهوى، فإن مقتضى الحجة واحد، ومقتضى الهوى متعدد لاختلاف الطبائع والعادات، ولذلك تَفرقت. والمراد بالطرق:

اليهودية والنصرانية وغيرهما من الأديان الباطلة، ويدخل فيه البدع والأهواء، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم خط خطًا، ثم قال: «هذا سبيل الله» ، ثم خط خطوطًا عن يمينه وشماله، ثم قال: «هذه سُبُلٌ، وعلى كُلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يَدعُو إليها» «١» . ذلِكُمْ الاتباع وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الضلال والتفرق عن الحق. وبالله التوفيق.

الإشارة: قد وصّى الحق- جل جلاله- على التخلص من الشرك، جليه وخفيه، ولا يكون إلا بتحقيق الإخلاص والتوحيد الخاص. وهو مطلب الصوفية، وبالإحسان بالوالدين الروحانيين والبشريين، أي: والد الأرواح- وهو الشيخ المربي- ووالد الأشباح، ولا بد للمريد من طاعتهما، إلاَّ أنه يقدم طاعة الشيخ، كما تقدّم عن الجنيد في (سورة النساء) .

ووصى بعدم قتل الأولاد، وهم المواهب والعلوم بإهمال القلب في الغفلة، وعدم قرب الفواحش: الظاهرة الحسية، والباطنية القلبية كالحسد، والكبر، وحب الجاه والدنيا، وسائر العيوب. وعدم قتل النفس بالانهماك في الهوى والغفلة حتى تموت بالجهل عن المعرفة. وعدم قرب مال اليتيم، وهو الذي ليس له شيخ، فإن الغالب عليه عدم المسامحة، وسيأتي عند قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ «٢» ، إشارة لها أرق من هذه، وعلى التوفية في الأمور كلها لأن الصوفي من أهل الصفاء والوفاء، وعلى الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال. وعلى الوفاء بالعهد، وأعظمها عهد الشيوخ المُربين، وعلى اتباع طريق السلوك الموصلة للحضرة وهي ما عينه الشيوخ للمريدين، فلا يتعدى نظرهم ولو لحظة. وبالله التوفيق.

ولما ذكر ما وصى به هذه الأمة، ذكر ما وصى به بنى إسرائيل، فقال:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٥٤]]

ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤)


(١) أخرجه أحمد فى المسند ١/ ٤٣٥.
(٢) من الآية ١٤٣ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>