قوله تعالى:.. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ.. في الدنيا بالتمكين، والنصرة على العدو، وإعلاء الرتبة، وفي الآخرة بجزيل الثواب، وجميل المآب، والخلودِ في النعيم المقيم، والتقدم على الأشكال بالتكريم والتعظيم. وقوله: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ يقال: إذا لم يجَزم بعقوبة المنافق، وتعلَّق القول فيه على الرجاء، فبالحريّ ألا يُخيِّبَ المؤمنَ في رجائه. انتهى كلام القشيري.
يقول الحق جلّ جلاله: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: الأحزاب بِغَيْظِهِمْ ملتبسين بغيظهم، فهو حال كقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ «١» أي: ردهم غائظين لَمْ يَنالُوا خَيْراً ظفراً، أي: لم يظفروا بالمسلمين. وسمّاه «خيراً» بزعمهم، وهو أيضاً حال، أي: غير ظافرين، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بالريح، والملائكة، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً قادراً غالباً، فقهرهم بقدرته وغلبهم بقهريته. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ: عاونوا الأحزاب وجاءوا بهم مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، يعني بني قريظة، أنزلهم مِنْ صَياصِيهِمْ من حصونهم. والصيصة:
ما يتحصّن به قال الهروي: وكل ما يتحصّن به فهو صيصة، ويقال لقرون البقر والظبي: صَيَاصي لأنها تتحصن بها، وفي وصف أصحاب الدجال:«شواربهم كالصياصي» ، لطولها، وفتلها، فصارت كالقرون. هـ.
رُوي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب، ورجع المسلمون إلى المدينة- على فَرَسه الحيزوم، والغُبار على وجه الفَرَس والسَّرْج، فقال: ما هذا يا جبريلُ؟ فقال: من مُتَابعةِ قُريش. ثم قال: إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة، وأنا عائدٌ إليهم، فإن الله داقهُمْ دَقَّ البيض على الصَّفا، وهم لكم طعمة.