إلهًا، فإنَّ من وصف الإله الإدراك والحياة والقدرة. وإنما جاء هذا البرهان بلفظ الاستفهام لأن المشركين مقرون أن أصنامهم لا تمشي، ولا تبطش، ولا تبصر، ولا تُسمع، فلزمتهم الحجة، والهمزة في قوله: أَلَهُمْ: للاستفهام مع التوبيخ، و (أم) ، في المواضع الثلاثة: تضمنت معنى الهمزة ومعنى بل، وليست عاطفة. قاله ابن جزي. قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ استعينوا بهم في عداوتي، ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ أي: لا تؤخرون، فإنكم وأصنامكم لا تقدرون على مضرتي وكيدي، ومفهوم الآية: الرد عليهم ببيان عجز أصنامهم وعدم قدرتها على المضرة.
الإشارة: كل ما سوى الله قد عمه العجز والتقصير، فليس بيده نفع ولا ضر، وفي الحديث:«لو اجتَمَعَ الإنسُ والجنُّ على أن ينفَعُوكَ بشَيءٍ لم يَنفَعُوكَ إلاَّ بشَيءٍ قد كَتَبَه اللهَ لك، ولو اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدَّرَهُ اللهُ عليكَ» . أو كما قال صلّى الله عليه وسلّم، فالخلق كلهم في قبضة القهر، مصروفون بقدرة الواحد القهار، ليس لهم أرجل يمشون بها، ولا أيد يبطشون بها، ولا أعين يبصرون بها، ولا آذان يسمعون بها، وإنما هم مجبورون في قوالب المختارين، فلا تركن إليهم أيها العبد في شيء، إذ ليس بيدهم شيء، ولا تخف منهم في شيء، إذ لا يقدرون على شيء. قال ابن جزي: وفيها- أي: في الآية- إشارة إلى التوكل على الله والاعتصام به وحده، وأن غيره لا يقدر على شيء.
يقول الحق جلّ جلاله: قل لهم أيضًا يا محمد: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ أي: هو ناصري وحافظي منكم، فلا تضرونني ولو حرصتم أنتم وآلهتكم، الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ أي: القرآن، وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ أي: ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلاً عن أنبيائه، فلا أخافكم بعد أن تَولى حفظي منكم.
الإشارة: قال القشيري: مَن قام بحقِّ الله تولّى أمورَه على وجه الكفاية، فلا يحوجه إلى أمثاله، ولا يَدَعُ شيئاً من أحواله إلا أجراه على ما يريد بحُسنِ إفضاله، فإن لم يفعل ما يريده جعل العبد راضيًا بما يفعله، فرَوحُ الرضا على الأسرار أتَمُّ من راحة العطاء على القلوب. هـ.
ثم قال تعالى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩٧ الى ١٩٨]
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨)